وقيل : ليس كل وجيه في الآخرة يكون مُقَرَّباً؛ لأن أهل الجنة تتفاوت درجاتُهم.
وقوله :﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ ﴾ الواو للعطف على قوله :« وَجِيهًا »، والتقدير : وجيهاً ومُكَلَّماً.
قال ابن الخطيب : وهذا عندي ضعيفٌ؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الاسمية غير جائز إلا لضرورة [ أو لفائدة ]، والأوْلَى أن يُقال : تقدير الآيةِ : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، الوجيه في الدنيا والآخرة، المعدود من المقرَّبِينَ، وهذا المجموع جملة واحدة، ثم قال :﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ ﴾. فقوله :﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ ﴾ عطف على قوله :﴿ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ ﴾.
وأجيب بأن هذا خطأ؛ لأنه إن أراد العطف على جملة ﴿ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ ﴾ فهي جملة اسمية فقد عطف الفعلية على الاسمية، فوقع فيما فَرَّ منه. وإن أراد العطفَ على « يُبَشِّرُكِ » فهو خطأ؛ لأن المعطوف على الخبر خبر - و « يُبَشِّرُكِ » خبر - فيصير التقدير : إن الله يكلم الناسَ في المهدِ، والصواب ما قالوه من كونه حالاً، وأن الجملة الحالية إذا كانت فعلاً فهي مقدرة بالاسم، فجاز العطف.
قوله :﴿ فِي المهد ﴾ يجوز فيه وَجْهَان :
أظهرهما : أنه متعلق بمحذوف؛ على أنه حال من الضمير في ﴿ وَيُكَلِّمُ ﴾ أي : يكلمهم صَغِيراً، و « كَهْلاً » على هذا نسق على هذه الحال المؤوَّلة فعلى هذا تكون خمسة أحوال.
والثاني : أنه ظرف ل « يُكَلِّمُ » كسائر المنفصلات، و « كَهلاً » على هذا نَسَق على « وَجِيهاً » فعلى هذا يكون خَمْسَةَ أحْوَالٍ.
والكهل : هو مَنْ بلغ سِنَّ الكُهُولة، وأولها ثلاثون.
وقيل : اثنان وثلاثون.
وقيل : ثلاث وثلاثون.
وقيل : أربعون. وآخرها : خمسون.
وقيل : ستون. ثم يدخل في سن الشَّيْخُوخَةِ. واشتقاقه من : اكتهل النبات - إذا علا وارتفع - ومنه الكاهل.
وقال صاحبُ المُجْمَلِ :« أكهل الرجل : وَخَطَهُ الشَّيْبُ ».

فصل


كلامه - عليه السلام - في المَهْد هو قوله :﴿ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ [ مريم : ٣٠-٣٣ ].
وحكي عن مجاهدٍ قال : قالت مريم : كنت إذا خلوتُ أنا وعيسى حدَّثني وحدّثته، فإذا شغلني عنه إنسان كان يُسَبِّحُ في بطني وأنا أسمعُ.

فصل


ذكر القرطبيُّ في تفسيره عن ابن أبي شيبةَ بسنده، قال :« لم يتكلمْ في الْمَهْدِ إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم، وصاحب يوسف، وصاحب جُرَيْج ». [ وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال :« لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم، وصاحب جريج وصاحب الجبار » ].
وقال الضَّحَّاكُ :« تكلم في المهد ستة شاهد يوسف، وصبيّ ماشطة امرأة فرعون، وعيسى، ويحيى، وصاحب جريج » ولم يذكر صاحب الأخدود، فأسقط صاحب الأخدود، وبه يكون المتكلمون سبعةً.


الصفحة التالية
Icon