وقيل :« الواو » للحال؛ كقوله « جئتك والشمس طالعة »، والكلام مُتَّصِلٌ، أي :[ ما يَضُرُّونك من شَيْء مع إنْزَال اللَّه عليك ] القُرْآن، « والحِكْمَة » : القَضَاء بالوَحْي.
ثم قال :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾.
قال القَفَّال : هذه الآيَة تَحْتَمِلُ وَجْهَيْن :
أحدهما : أن يكُون المُراد [ ما يتعَلَّق ] بالدِّين؛ كما قال :﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] فيكون تَقْدِير الآيَة : أنْزَل عليك الكتاب والحِكْمة، وأطْلَعَك على أسْرَارِهَا، مع أنَّك قبل ذَلِك لم تكن عَالِمَاً بشيء منهما، فكَذَلِكَ يفْعَل بك في مُسْتَأنف أيَّامك، لا يَقْدِر أحدٌ من المُنَافِقِين على إضلالك.
الثاني : أن المُراد : وعَلَّمك ما لم تكُن تَعْلَم من أخْبَار الأولِين؛ فكذلك يُعَلِّمك من حِيَل المُنَافِقِين وَوُجوه كَيْدِهِم، ما تَقْدِر [ به ] على الاحتراز عن كَيْدهم ومَكْرِهِم.
﴿ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾. وهذا يَدُلُّ على أنَّ العِلْم أشْرَف الفَضَائِلِ والمَنَاقِب؛ لأنَّ الله - تعالى - ما أعْطَى الخَلْق من العِلْم إلا القَلِيل؛ لقوله - تعالى - :﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] ثم إنَّه سمَّى ذلك القَلِيل عَظِيماً، وسمَّى جَمِيع الدُّنْيَا قَلِيلاً، لقوله [ - تعالى - ] :﴿ أقُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ ﴾ [ النساء : ٧٧ ] وذلك يَدُلُّ على شَرَف العِلْم.