إلاَّ ان أبا البقاء اسْتَضْعَفَ هذا الوجه، وهو كما قال؛ إذ يصير المعنى : وما يعلم شُفَعَاءكم معكم، وليس المعنى عليه قطعاً.
وقال أبو البقاء- رحمه لله - :« ولا يجوز أن يكون أي معكم حالاً من » الشفعاء « ؛ إذ المعنى يصير أن شفعاءهم معهم ولا تراهم ». وفيما قاله نظرٌ لا يخفى، وذلك أن النفي إذا دخل على ذاتٍ بِقَيْدٍ، ففيه وجهان :
أحدهما : نفي تلك الذّات بقيدها.
والثاني : نفي القَيْد فقط دون نَفْي الذَّات.
فإن قلت « ما رأيت زيداً » ضاحكاً «، فيجوز أن لم تَرَ زَيْداً ألبَتَّة، ويجوز أن رأيته من غير ضِحْكٍ، فكذا هاهنا، إذ التقدير : وما نرى معكم شفعاءكم مصاحبيكم، يجوز أن لم يروا الشفعاء ألْبَتَّة، ويجوز أن يَرَوْهُمْ دون مُصَاحبتهم لهم، فمن أين يلزم انهم يكونون معهم، ولا يرونهم من هذا التركيب، وقد تقدم تَحْقِيقُ هذه القاعدة في أوائل سورة » البقرة « في قوله :﴿ لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً ﴾ [ البقرة : ٢٧٣ ].
و » أنهم « سد مَسَدَّ المفعولين ل » زعم « و » فيكم « متعلق بنفس شركاء، والمعنى : الذين زعمتم أنهم شركاء الله فيكم، أي في عبادتكم، أو في خلقكم، لأنكم أشركتموهم مع الله - تعالى - في عبادتكم وخلقكم.
وقيل » في « بمعنى » عند «، ولاحاجة إليه.
وقيل : المعنى أنه يتحملون عنكم نَصِيباً من العذاب، أي : شركاء في عذابكم إن كنت تعتقدون فيهم أنكم إذا أصابتكم نَائِيَةٌ شاركوكم فيها.
فصل في معنى الآية
معنى الاية الكريمة :﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل ﴾ حُفَاةً عُرَاةً، وخلَّفتم ما أعطيناكم من الأموال والأولاد والخَدَم خلف ظهوركم في الدنيا، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شُرَكَاءُ، وذلك أن المشركين زعموا أنه يعبدون الأصْنَامَ؛ لأنهم شركاء اللهن وشفعاؤهم عنده، والمراد من الآية التَّقْريع والتوبيخ، وذلك لأنهم صرفوا جدَّهم وجهدهم إلى تحصيل المال والجاهِ، وعبدوا الأصنام لاعقادهم أنها شفعاءهم عند الله تبارك وتعالى، ثم أنهم لما وردوا مَحْفَلَ القيامة لم يَبْقَ لهم من تلك الأموال شيء، ولم يجدوا من تلك الأصنام شَفَاعَةً فبقوا فرادى على كل ما حَصَّلُوهُ في الدنيا، وعَوَّلُوا عليه، بخلااف أهل الإيمان، فإنهم صرفوا هَمَّهُمْ إلى الأعمال الصالحة، فَبَقِيَتْ معهم في قبورهم، وحضرت معهم في مَحْفَل القيامة، فهم في الحقيقة ما حضروا فرادى.
قوله » لقد تقطَّع بَيْنَكُم « قرأ نافع، والكسائي، وعاصم في رواية حفْص عنه » بَيْنَكُمْ « نَصْباً، والباقون » بَيْنُكُمْ « رفعاً.
فأما القراءةالأولى ففيها سبعة أوجه :
أحدها، وهي أحسنها : أن الفاعل مضمر يعود على الاتِّصالِ، والاتصال وإن لم يكن مذكوراً حتى يعود عليه ضمير، لكنه تقدم ما يَدُلُّ عليه، وهو لفظ » شركاء «، فإن الشركة تشعر بالاتِّصَالِ، والمعنى : لقد تقطع بينكم الاتصال على الظرفية.