[ الأعراف : ١٥٩ ].
قوله :« ألَمْ يَرَوْا » إن قلنا : إنَّ اتَّخَذَ متعدية لاثنين، وإنَّ الثَّاني محذوفٌ، تقديره : واتَّخَذَ قوم موسى من بعده من حليهم عِجْلاً جَسَداً إلهاً، فلا حاجة حينئذ إلى ادِّعاءِ حذف جملة يتوجَّه عليها هذا الإنكارُ، وإن قلنا : إنَّها متعدية لواحد بمعنى : صَنَعَ وعَمِلَ أو متعدية لاثنين، والثاني هو : مِنْ حُليِّهِمْ فلا بُدَّ مِنْ حذفِ جملة قبل ذلك، ليتوَجَّه عليها الإنكار، والتقدير : يعبدوه، ويَرَوْا يجوز أن تكونَ العِلْمِية، وهو الظَّاهرُ وأن تكون البصرية، وهو بيعدٌ.

فصل


اعلم أنَّهُ تعالى احْتَجَّ على فساد هذا المذهب وكون العِجْلِ إلهاً بقوله :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ﴾ وتقرير هذا الدَّليل أنَّ هذا العِجْلَ لا يمكنه أن يُكلِّمهم، ولا يَهْديهم إلى الصَّواب والرُّشْدِ ومَنْ كانَ كذلك كان إمَّا جَماداً، وإمَّا حيواناً، وكلاهما لا يصلحُ للإلهيَّةِ.
ثم قال تعالى :﴿ اتخذوه وَكَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾ لأنفسهم حيثُ أعرضوا عن عبادة الله واشتغلوا بعبادة العجل.
قوله :﴿ اتخذوه وَكَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾ يجُوزُ فيها وجهان : أظهرهما : أنَّهَا استئنافيةٌ، أخبر عنهُم بهذا الخبر وأنه دَيْدنهُم وشأنهُم في كلِّ شيء فاتَّخاذُهم العجلَ من جملة ذلك، ويجوزُ أن تكون حالاً، أي : وقد كانُوا، أي : اتَّخَذُوه في هذه الحالِ المستقرَّةِ لهُم وعلى هذا التفسير المتقدم.


الصفحة التالية
Icon