والثاني : أن يكون من باب النِّسبةِ، كقولهم :« أحْمَرِيٌّ »، كقوله :[ الرجز ]

٢٨٨٣- أطَرَباً وأنتَ قِنَّسْرِيُّ والدَّهْرُ بالإنسَانِ دَوَّارِيُّ
وكنسبتهم إلى العلم، في قولهم :« الصَّلتَانيّ »، كقوله :[ الطويل ]
٢٨٨٤- أنَا الصَّلتانِيُّ الذي قَدْ عَلِمْتُمُ ........................
فزاد ياء النَّسب في اسمه.
قوله :« وجَريْنَ » يجُوزُ أن يكون نسقاً على « كُنْتُم »، وأن يكون حالاً على إضمار « قَدْ »، والضمير عائدٌ على « الفُلْكِ »، والمراد به هنا : الجمع، وقد تقدَّم أنه تكسير، وأنَّ تغييره تقديريٌّ [ البقرة : ١٦٤ ]، فضمَّتُه كضمَّةِ « بُدْن »، وأنَّهُ ليس باسم جمع كما زعم الأخفشُ.
وقوله :« بِهِمْ » فيه التفاتٌ من الخطاب إلى الغيبة.
قال الزمخشري :« فإن قلت ما فائدةُ صرف الكلامِ، عن الخطابِ إلى الغيبةِ؟ قلت : المبالغةُ؛ كأنه يذكُرُ لغيرهم حالهُ ليُعَجِّبَهم منها، ويستدعي منهم الإنكارَ والتَّقبيحَ »، وقال ابنُ عطيَّة :« بِهِمْ : خروجٌ من الخطاب إلى الغَيْبَة، وحسُنَ ذلك؛ لأنَّ قوله :» كُنتُمْ في الفُلْكِ « هو بالمعنى المعقُول، حتى إذا حصل بعضكم في السُّفُن ». انتهى، فقدَّر اسماً غائباً، وهو ذلك المضافُ المحذوف، فالضميرُ الغائب يعود عليه، ومثله ﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ﴾ [ النور : ٤٠ ]، تقديره : أو كذي ظُلُمات، وعلى هذا فليس من الالتفات في شيءٍ.
وقال أبو حيَّان :« والذي يظهر أنَّ حكمةَ الالتفاتِ هنا : هي أنَّ قوله ﴿ هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ ﴾ خطابٌ فيه امتنانٌ، وإظهارُ نعمةٍ للمخاطبين، والمُسَيَّرون في البَرِّ والبَحْر مؤمنون وكُفَّار، والخطابُ شاملٌ، فحسُنَ خطابُهُم بذلك، ليستديمَ الصَّالحُ على الشُّكْر، ولعلَّ الطَّالحَ يتذكَّرُ هذه النّعْمَة.
ولمَّا كان في آخر الآية ما يقتضي أنَّهم إذا نجوا بغَوا في الأرض، عدلَ عن خطابهم بذلك إلى الغَيْبة؛ لئلاَّ يخاطب المؤمنين بما لا يليقُ صُدُورُه منهم، وهو البغيُ بغير الحقِّ »
.
قوله :« بريحٍ » متعلِّقٌ ب « جَرَيْنَ »، فيقال : كيف يتعدَّى فعلٌ واحدٌ، إلى معمولين بحرف جرٍّ متحدٍ لفظاً ومعنًى؟ فالجوابُ : أنَّ الياءَ الأولى للتَّعدية، كهي في « مَرَرْتُ بزَيْدٍ »، والثانية للحالِ، فتتعلق بمحذُوف، والتقدير : جريْنَ بهم مُلتبسةً بريحٍ، فتكونُ الحالُ من ضميرِ الفُلْكِ.


الصفحة التالية
Icon