وأخرج ابن سعد عن يزيد بن موهب. أن عثمان قال لعبد الله بن عمر : اقض بين الناس، قال : لا أقضي بين إثنين ولا أؤم إثنين قال : لا، ولكنه بلغني أن القضاة ثلاثة. رجل قضى بجهل فهو في النار، ورجل حاف ومال به الهوى فهو في النار، ورجل اجتهد فأصاب فهو كفاف لا أجر له ولا وزر عليه. قال : إن أباك كان يقضي؟ قال : إن أبي إذا أشكل عليه شيء سأل النبي ﷺ، وإذا أشكل على النبي ﷺ سأل جبريل، وإني لا أجد من أسأل أما سمعت النبي ﷺ يقول « من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟ فقال عثمان : بلى. قال : فاني أعوذ بالله أن تستعملني، فأعفاه وقال : لا تخبر بهذا أحداً ».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : بلغني أن قاضياً كان في زمن بني إسرائيل، بلغ من اجتهاده أن طلب إلى ربه أن يجعل بينه وبينه علماً، إذا هو قضى بالحق عرف ذلك. فقيل له : ادخل منزلك، ثم مد يدك في جدارك، ثم انظر كيف تبلغ أصابعك من الجدار، فاخطط عنده خطاً، فإذا أنت قمت من مجلس القضاء فارجع إلى ذلك الخط، فامدد يدك إليه فانك متى كنت على الحق فانك ستبلغه، وإن قصرت عن الحق قصر بك، فكان يغدو إلى القضاء وهو مجتهد، وكان لا يقضي إلا بالحق، وكان إذا فرغ لم يذق طعاماً ولا شراباً، ولا يفضي إلى أهله بشيء حتى يأتي ذلك الخط، فإذا بلغه حمداً لله وأفضى إلى كل ما أحل الله له من أهل أو مطعم أو مشرب، فلما كان ذات يوم وهو في مجلس القضاء أقبل إليه رجلان بدابة، فوقع في نفسه أنهما يريدان يختصمان إليه، وكان أحدهما له صديقاً وخدنا، فتحرك قلبه عليه محبة أن يكون له فيقضي له به، فلما إن تكلما دار الحق على صاحبه فقضى عليه، فلما قام من مجلسه ذهب إلى خطه كما كان يذهب كل يوم، فمد يده إلى الخط فإذا الخط قد ذهب وتشمر إلى السقف وإذا هو لا يبلغه، فخر ساجداً وهو يقول : يا رب، شيء لم أتعمده، فقيل له : أتحسبن أن الله لم يطلع على جور قلبك حيث أحببت أن يكون الحق لصديقك فتقضي له به، قد أردته وأحببته ولكن الله قد رد الحق إلى أهله وأنت لذلك كاره.
وأخرج الحكيم والترمذي عن ليث قال : تقدم إلى عمر بن الخطاب خصمان فأقامهما، ثم عادا ففصل بينهم، فقيل له في ذلك فقال : تقدما إليَّ، فوجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه فكرهت أن افصل بينهما، ثم عادا فوجدت بعض ذلك فكرهت، ثم عادا وقد ذهب ذلك ففصلت بينهما.


الصفحة التالية
Icon