فقال لهم ذو القرنين : لو كنتُ مقيماً لأقمت فيكم، ولكني لم أؤمر بالإقامة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : كان لذي القرنين صديق من الملائكة يقال له زرافيل، وكان لا يزال يتعاهده بالسلام، فقال له ذو القرنين : يا زرافيل، هل تعلم شيئاً يزيد في طول العمر لنزداد شكراً وعبادة؟ قال : ما لي بذلك علم، ولكن سأسأل لك عن ذلك في السماء. فعرج زرافيل إلى السماء فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم هبط، فقال : إني سألت عما سألتني عنه فأخبرت أن لله عيناً في ظلمة هي أشد بياضاً من اللبن وأحلى من الشهد، من شرب منها شربة لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت. قال : فجمع ذو القرنين علماء الأرض إليه فقال : هل تعلمون أن لله عيناً في ظلمة؟ فقالوا : ما نعلم ذلك. فقام إليه رجل شاب فقال : وما حاجتك إليها أيها الملك؟ قال : لي بها حاجة. قال : فإني أعلم مكانها. قال : ومن أين علمت مكانها؟ قال : قرأت وصية آدم عليه السلام فوجدت فيها : إن لله عيناً خلف مطلع الشمس في ظلمة، ماؤها أشد بياضاً من اللبن وأحلى من الشهد، من شرب منها شربة لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت.
فسار ذو القرنين من موضعه الذي كان فيه اثنتي عشرة سنة حتى انتهى إلى مطلع الشمس، عسكر وجمع العلماء فقال : إني أريد أن أسلك هذه الظلمة بكم، فقالوا : إنا نعيذك بالله أن تسلك مسلكاً لم يسلكه أحد من بني آدم قط قبلك. قال : لا بد أن أسلكها. قالوا : إنا نعيذك أن تسلك بنا هذه الظلمة، فإنا لا نأمن أن ينفتق علينا بها أمر يكون فيه فساد الأرض. قال : لا بد أن أسلكها. قالوا : فشأنك. فسألهم أي الدواب أبصر؟ قالوا : الخيل. قال : فأي الخيل أبصر؟ قالوا : الإناث. قال : فأي الإناث أبصر؟ قالوا : الأبكار. فانتقى ستة آلاف فرس أنثى بكر ثم انتخب من عسكره ستة آلاف رجل، فدفع إلى كل رجل منهم فرساً، وولى الخضر منها على ألفي فارس ثم جعله على مقدمته، ثم قال : سرْ أمامي. فقال له الخضر : أيها الملك، إني لست آمن هذه الأمة الضلال فيتفرق الناس مني، فدفع إليه خرزة حمراء فقال : إذا تفرق الناس فارم هذه الخرزة فإنها ستضيء لك وتصوت حتى تجمع إليك أهل الضلال، واستخلف على الناس خليفة وأمره أن يقيم في عسكره اثنتي عشرة سنة، فإن هو رجع إلى ذلك وإلا أمر الناس أن يتفرقوا في بلدانهم. ثم أمر الخضر فسار أمامه، فكان الخضر إذا أتاه ذو القرنين رحل من منزله ونزل ذو القرنين في منزل الخضر الذي كان فيه، فبينا الخضر يسير في تلك الظلمة إذ تفرق الناس عنه، فطرح الخرزة من يده فإذا هي على شفير العين والعين في وادٍ فأضاء له ما حول البئر، فنزل الخضر ونزع ثيابه ودخل العين فشرب منها واغتسل ثم خرج، فجمع عليه ثيابه ثم أخذ الخرزة وركب وخالفه ذو القرنين في غير الطريق الذي أخذ فيه الخضر، فساروا في تلك الظلمة في مقدار ست ليال وأيامهن ولم تكن ظلمة كظلمة الليل، إنما كانت ظلمة كهيئة ضباب حتى خرجوا إلى أرض ذات نور ليس فيها شمس ولا قمر ولا نجم، فعسكر ثم نزل الناس ثم ركب ذو القرنين وحده فسار حتى انتهى إلى قصر طوله فرسخ في فرسخ، فدخل القصر فإذا هو بعمود على حافتي القصر، وإذا طائر مذموم.