الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُعَرِّفَهُمْ سَبِيلَ النَّجَاةِ مِنْ عِقَابِهِ وَالْخَلاَصِ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، اتَّقُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضَهُ وَتَجَنُّبِ حُدُودَهُ، وَكُونُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ وِلاَيَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، تَكُونُوا فِي الآخِرَةِ مَعَ الصَّادِقِينَ فِي الْجَنَّةِ. يَعْنِي مَعَ مَنْ صَدَقَ اللَّهَ الإِيمَانَ بِهِ فَحَقَّقَ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ فِيهِ الَّذِينَ يَكْذِبُ قِيلَهُمْ فِعْلُهُمْ.
وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلاَمِ : وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي الآخِرَةِ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلاَمِ، لِأَنَّ كَوْنِ الْمُنَافِقِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ نَافِعُهُ بِأَيِّ وُجُوهِ الْكَوْنِ كَانَ مَعَهُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَامِلاً عَمَلَهُمْ، وَإِذَا عَمِلَ عَمَلَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ مِنْهُمْ كَانَ لاَ وَجْهَ فِي الْكَلاَمِ أَنْ يُقَالَ : اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. وَلِتَوْجِيهِ الْكَلاَمَ إِلَى مَا وَجْهَنَا مِنْ تَأْوِيلِهِ فَسَّرَ ذَلِكَ مَنْ فَسَّرَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِأَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَكُونُوا مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، أَوْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَهُ فِي تَأْوِيلِهِ :
١٧٥٣٥- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ نَافِعٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ :﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ قَالَ : مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ.