ج ١٨، ص : ١٢٢
وخلاصة ذلك - لا يدخل فى زمرة المؤمنين من يقول آمنا باللّه والرسول وأطعنا، ثم يعرض عما تقتضيه الطاعة وينحاز إلى غير المؤمنين.
ثم بين هذا التولّى بقوله :
(وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) أي وإذا دعى هؤلاء المنافقون إلى كتاب اللّه وإلى رسوله ليحكم بينهم فيما اختصموا فيه بحكم اللّه - أعرضوا عن قبول الحق واستكبروا عن اتباع حكمه، لأنه لا يحكم إلا بالحق.
ونحو الآية قوله :« أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ».
(وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم جاءوا إلى الرسول مطيعين، لعلهم بأنه يحكم لهم، لأنه لا يحكم إلا بالحق، فإذعانهم لم يكن عن اعتقاد أن حكمه الحق، بل لأنه وافق هواهم، ومن جرّاء هذا لما خالف الحقّ قصدهم عدلوا عنه إلى غيره.
ثم فصل ما يحتمل أن يكون السبب فى عدولهم عن قبول حكمه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله :
(أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ؟ ) أي أسبب إعراضهم عن المحاكمة إليه صلّى اللّه عليه وسلّم أنهم مرضى القلوب بالكفر والنفاق ؟ أم سببه أنهم ارتابوا وشكّوا فى نبوته عليه السلام على ظهور أمرها ؟ أم سببه أنهم يخافون أن يجور اللّه ورسوله عليهم فى الحكم ؟
وخلاصة ذلك - لا يخرج أمرهم عن أن يكون فى القلوب مرض لازم بالكفر والنفاق، أو عروض شك فى الدين، أو خوف من أن يجور اللّه ورسوله عليهم، وأيا كان الأمر فهو كفر وضلال، واللّه عليم بما انطوت عليه قلوبهم من المرض.


الصفحة التالية
Icon