ج ١٨، ص : ١٢٦
روى الطبراني والحاكم وابن مردويه عن أبىّ بن كعب قال :« لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصحبه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لا يبيتون إلا فى السلاح ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا : ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا اللّه ؟ » فنزلت الآية.
الإيضاح
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي وعد اللّه المؤمنين منكم المصلحين لأعمالهم - ليورثنّهم أرض المشركين من العرب والعجم، وليجعلنهم ملوكها وساستها، كما استخلف بنى إسرائيل بالشام حين أهلك الجبابرة وجعلهم ملوكها وسكانها.
وقد وفى سبحانه بوعده، فإنه لم يمت عليه الصلاة والسلام حتى فتح اللّه عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، والمقوقس فى مصر، والنجاشي ملك الحبشة.
ولما قبض صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى قام بالأمر من بعده الخلفاء الراشدون، فنهحوا منهجه، وافتتحوا كثيرا من المشرق والمغرب، ومزّقوا ملك الأكاسرة، وملكوا خزائنهم، واستعبدوا أبناء القياصرة، وصدق
قول رسوله « إن اللّه زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منها ».
(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) أي وليجعلنّ دين الإسلام راسخا قويا ثابت القدم، ويعظم أهله فى نفوس أعدائه الذين يواصلون الليل بالنهار فى التدبير لإطفاء أنواره، لتعفو آثاره.
(وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) أي وليغيرنّ حالهم من الخوف إلى الأمن
قال الربيع من أنس :« كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى اللّه وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال