ج ٢٥، ص : ١٠٥
(وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) أي ولما جاء عيسى بالمعجزات الواضحة قال قد جئتكم بالشرائع التي فيها صلاح البشر، ولأبيّن لكم بعض ما اختلف فيه قوم موسى من أحكام الدين دون أمور الدنيا كطرق الفلاحة والتجارة، فإن الأنبياء لم يبعثوا لبيانها كما يشير إلى ذلك
قوله عليه الصلاة والسّلام حين نهاهم عن تأبير النخل (تلقيحه بالطلع) ففسد الثمر ولم يغلّ شيئا نافعا « أنتم أعلم بأمور دنياكم وأنا أعلم بأمور دينكم ».
ولما بين لهم أصول الدين وفروعه قال :
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) أي فاتقوا اللّه فى مخالفتى، وخافوا أن يحل بكم عقابه، وأطيعونى فيما أبلغكم عنه من الشرائع والتكاليف.
ثم فصل ما يأمرهم به بقوله :
(إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) أي إن اللّه الذي يستحق إفراده بالألوهية وإخلاص الطاعة له - ربى وربكم، فأنا وأنتم عبيد له فقراء إليه.
(هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم، وكل الديانات جاءت بمثله، فما هو إلا اعتقاد بوحدانية اللّه، وتعبّد بشرائعه.
وقصارى ذلك - إنه علم بحقائق، وعمل بشرائع.
ولما كان الطريق القويم يجب الاجتماع عليه، والاتفاق على سلوكه - بين أنهم خالفوا ذلك فاختلفوا فيه فقال :
(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) أي فاختلف النصارى وصاروا شيعا، من ملكانية إلى نسطورية إلى يعقوبية، فمنهم من يقر بأنه عبد اللّه ورسوله وهو الحق، ومنهم من يدعى أنه ابن اللّه، ومنهم من يقول إنه اللّه، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أي فالويل لهؤلاء المختلفين الذين


الصفحة التالية
Icon