ج ٢٦، ص : ٤١
يا عائشة إن اللّه لم يرض من أولى العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها، والصبر عن محبوبها، ثم لم يرض منى إلا أن يكلفنى ما كلفهم فقال :« فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » وإنى واللّه لأصبرنّ كما صبروا جهدى ولا قوة إلا باللّه » أخرجه ابن أبى حاتم والدّيلمى.
ولما أمره بالصبر، وهو أعلى الفضائل، نهاه عن العجلة وهى أخسّ الرذائل فقال :
(وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) أي ولا تعجل بمسألة ربك العذاب لهم، فإنه نازل بهم لا محالة.
ونحو الآية قوله تعالى :« وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا » وقوله :« فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ».
ثم أخبر بأن العذاب إذا نزل بالكافرين استقصروا مدة لبثهم فى الدنيا حتى يحسبونها ساعة من نهار فقال :
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) أي كأنهم حين يرون عذاب اللّه الذي أوعدهم بأنه نازل بهم - لم يلبثوا فى الدنيا إلا ساعة من نهار - لأن شدة ما ينزل بهم منه ينسيهم قدر ما مكثوا فى الدنيا من السنين والأعوام، فيظنونها ساعة من نهار.
ونحو الآية قوله :« كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ؟. قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ » وقوله :« كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها ».
(بلاغ) أي هذا القرآن بلاغ لهم، وكفاية إن فكروا واعتبروا، ودليله قوله تعالى :« هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ » وقوله :« إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ ».


الصفحة التالية
Icon