ج ٢٧، ص : ١٨٦
مما التزموه حق القيام، بل ضيّعوها، وكفروا بدين عيسى بن مريم، فضموا إليه التثليث ودخلوا فى دين الملوك الذين غيروا وبدلوا.
وفى هذا ذم لهم من وجهين :
(١) أنهم ابتدعوا فى دين اللّه ما لم يأمر به.
(٢) أنهم لم يقوموا بما فرضوه على أنفسهم مما زعموا أنه قربة يقرّبهم إلى ربهم، وقد كان ذلك كالنذر الذي يجب رعايته، والعهد الذي يجب الوفاء به.
روى ابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال :« قال لى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يا ابن مسعود، قلت : لبّيك يا رسول اللّه، قال : اختلف من كان قبلنا على إحدى وسبعين فرقة، نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم، فرقة من الثلاث وازت الملوك وقاتلتهم على دين اللّه ودين عيسى بن مريم صلوات اللّه عليه فقتلتهم الملوك، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك فأقاموا بين ظهرانى قومهم يدعونهم إلى دين اللّه ودين عيسى بن مريم صلوات اللّه عليه، فقتلتهم الملوك بالمناشير، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام بين ظهرانى قومهم يدعونهم إلى دين اللّه ودين عيسى صلوات اللّه عليه، فلحقوا بالبراري والجبال فترهبوا فيها فهو قول اللّه عز وجل « وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ » الآية، فمن آمن بي واتبعنى وصدقنى فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الفاسقون ».
(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي فآتينا الذين آمنوا منهم إيمانا صحيحا طبعت آثاره فى أعمالهم، فزكّوا أنفسهم، وأخبتوا لربهم، وأدّوا فرائضه - أجورهم التي استحقوها كفاء ما عملوا، وكثير منهم فسقوا عن أمر اللّه، وو اجترحوا الشرور والآثام، وظهر فسادهم فى البر والبحر بما كسبت أيديهم، فكبكبوا فى النار، وباءوا بغضب من اللّه، ولهم عذاب عظيم


الصفحة التالية
Icon