ج ٦، ص : ١١١
ولا يعرف هذا فى شىء من الأدعية المأثورة عندهم، وإنما ينقل شىء من ذلك فى أحاديث ضعيفة أو عمن ليس قوله حجة، وقد قال أبو حنيفة وأصحابه : إن مثل هذا لا يجوز، وقالوا لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد أسألك بحق أنبيائك، ولا ينبغى لأحد أن يدعو اللّه إلا به، وكرهوا أن يقال بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك لأنه لا حقّ للخلق على الخالق.
والخلاصة - إن الوسيلة ما تتقرب به إلى اللّه وترجو أن تصل به إلى مرضاته، بما شرّعه لتزكية نفسك، وقد دل كتاب اللّه فى جملته وتفصيله على أن مدار النجاة والفلاح هو الإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى :« وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى » وقال :« لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى » وقال :« هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ».
نعم دلت السنة على أن دعاء المؤمن لغيره قد ينفعه، وثبت أيضا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان حريصا على إيمان عمه أبى طالب فأنزل اللّه عليه « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ».
والخلاصة - إن العمدة فى تقرب الإنسان إلى اللّه وابتغاء مرضاته هو إيمانه وعمله لنفسه، فإذا لم يعمل لنفسه ما شرعه اللّه وجعله سبب فلاحه، فهل يكون قد ابتغى إليه الوسيلة بطلب الدعاء من بعض عباده المكرمين أو طلبه منهم بعد موتهم أن يشفعوا له أي يدعوا له.
كلا إن الطلب من الميت غير مشروع فضلا عن أنه لا يعلم إن كان مقبولا أو غير مقبول، فإن ذلك من أمور الآخرة « وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ».
وما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فى ذلك كله ضعيف بل موضوع،
وحديث الأعمى الذي علّمه أن يقول :« أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة »
لا يصلح حجة فى هذا الباب، لأنه إنما توسل بدعاء النبي صلى اللّه عليه وسلم وشفاعته، وقد أمره