ج ٦، ص : ١١٩
فى مواضعه إما تحريفا لفظيا بإبدال كلمة بكلمة أو بإخفائه وكتمانه أو بالزيادة فيه أو بالنقص منه، وإما تحريفا معنويا بحمل اللفظ على غير ما وضع له.
(يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) أي يقولون لمن أرسلوهم إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ليسألوه عن حكم الرجل والمرأة اللذين زنيا منهم وأرادوا أن يحابوهما بعدم رجمهما، إن أعطاكم محمد رخصة بالجلد عوضا عن الرجم فخذوها وارضوا بها، وإن حكم بالرجم فاحذروا قبول ذلك ولا ترضوا به.
وقد سبق أن ذكرنا أنهم جاءوا فسألهم عن حد الزناة فى التوراة فقالوا :
نفضحهم ويجلدون، وجاءوا بالتوراة فوضع أحدهم يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها، وما بعدها فقال له عبد اللّه بن سلام : ارفع يدك فرفع فإذا هى آية الرجم فاعترفوا بصدق النبي صلى اللّه عليه وسلم، وظهر كذبهم وعبثهم بشريعتهم وكتابهم.
(وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً) أي ومن يرد اللّه أن يختبر فى دينه فيظهر الاختبار كفره وضلاله فلن تملك له أيها الرسول من اللّه شيئا من الهداية والرشد فهؤلاء المنافقون والجاحدون من اليهود قد أظهرت لك فتنة اللّه واختباره إياهم مقدار فسادهم، فهم يقبلون الكذب دون الحق وهم محرفون كاتمون لأحكام كتابهم، اتباعا لأهؤائهم ومرضاة لرؤسائهم، وذوى الجاه فيهم :
فلا تحزن بعد هذا على مسارعتهم فى الكفر، ولا تطمع فى جذبهم إلى الإيمان، فإنك لا تملك لأحد نفعا، وإنما عليك البلاغ والبيان، ولا تخف عاقبة نفاقهم فإنما العاقبة للمتقين من أهل الإيمان، ولهم الخزي والهوان.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أي إن أولئك الذين بلغت منهم الفتنة ذلك المبلغ هم الذين لم يريد اللّه تطهير قلوبهم من الكفر والنفاق، لأن إرادته إنما تتعلق بما اقتضته سننه العادلة فى نفوس البشر، من أنها إذا دأبت على الباطل ومرنت على الكيد والشر، وألفت الخلاف والضر، تحيط بها خطيئتها، وتطبق عليها ظلمتها، فلا يبقى لديها لنور الحق منفذ، وتصبح غير قابلة للاستبصار والاعتبار الذي