ج ٦، ص : ١٣٣
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) أي فإن أعرضوا عن حكمك بعد تحاكمهم إليك، فما ذاك إلا لأن اللّه يريد أن يعذبهم فى الحياة الدنيا قبل الآخرة ببعض ذنوبهم، لأن استثقالهم لأحكام التوراة وتحاكمهم إليك لعلك تتبع أهواءهم، ومحاولتهم لفتنتك عن بعض ما أنزل إليك - كل هذه أمارات على فساد الأخلاق وانحلال روابط الاجتماع، ولا بد أن تكون نتيجتها وقوع العذاب بهم، وقد حل بيهود المدينة وما حولها بغدرهم ما حل، فقد أجلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بنى النّضير عنها، وقتل بنى قريظة.
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) أي متمردون فى الكفر مصرّون عليه خارجون من الحدود والشرائع التي اختارها اللّه لعباده.
وفى هذا تسلية للنبى صلى اللّه عليه وسلم على عدم إذعانهم لما جاء به من الهدى والدين وإعراضهم عن ذلك النور الذي أنزل إليه.
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ؟ ) أي أ يتولون عن قبول حكمك بما أنزل اللّه، فيبغون حكم الجاهلية المبنى على التحيز والهوى لجانب دون آخر وترجيح القوىّ على الضعيف ؟.
روى « أن بنى النضير تحاكموا إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم فى خصومة كانت بينهم وبين بنى قريظة وطلب بعضهم من النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يحكم بينهم بما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل وجعل دية القرظي ضعفى دية النّضيرى لمكان القوة والضعف فقال عليه السلام القتلى بواء (سواء) فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك فنزلت الآية ».
وخلاصة ذلك - توبيخهم والتعجيب من حالهم بأنهم أهل كتاب وعلم، ومع ذلك كانوا يبغون حكم الجاهلية الذي يجىء به محض الجهل وصريح الهوى.
(وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي لا أحد أحسن حكما من حكم اللّه لقوم يوقنون بدينه ويذعنون لشرعه، لأنه حكم جامع بين منتهى العدل والحق