ج ٦، ص : ١٥٢
والقوى البدنية، وقوله : لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم أي لوسع اللّه عليهم موارد الرزق، والمقتصدة : المعتدلة فى أمر الدين فلا تغلو بالإفراط ولا تهمل بالتقصير.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى الآيات السالفة بعض مخازيهم من مسارعتهم فى الإثم والعدوان وأكل السحت إلى نحو أولئك مما اختلت به نظم المجتمع فى الأفراد والجماعات، فأصبحوا قوما أنانية، همة كل واحد منهم جمع المال واكتسابه على أىّ صورة كان وبأى وجه جمع، وقد أثّر هذا فى أخلاقهم وأعمالهم أشد الأثر كما تشهد بذلك كتب دينهم - ذكر هنا أفظع مخازيهم وأقبحها، بجرأتهم على ربهم ووصفهم إياه بما ليس من صفته، وإنكارهم جميل أياديه عندهم، وكثرة صفحه عنهم، وعفوه عن عظيم جرمهم توبيخا لهم، وتعريفا لنبيه صلى اللّه عليه وسلم قديم جهلهم، واحتجاجا له بأنه مبعوث ورسول، إذ أخبر بخفي علومهم ومكنون أخبارهم التي لا يعلمها إلا أحبارهم دون غيرهم من اليهود.
روى ابن إسحق والطبراني عن ابن عباس قال « قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس للنبى صلى اللّه عليه وسلم : إن ربك بخيل لا ينفق فأنزل اللّه (وَقالَتِ الْيَهُودُ...) » الآية
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنها نزلت فى فنحاص رأس يهود بنى قينقاع. وروى ابن جرير عن عكرمة مثله، وروى عن مجاهد أنهم قالوا : لقد يجهدنا اللّه يا بنى إسرائيل حتى جعل يده إلى نحره - يريدون أنه ضيّق عليهم الرزق.
وروى عن ابن عباس أنه قال : ليس يعنون بذلك أن يد اللّه موثقة، لكنهم يقولون إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى ربنا عما يقول الظالمون.
الإيضاح
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) أي قال ذلك بعض منهم، ونسبه إلى الأمة بناء على التكافل العام بين أفرادها وكونها كالشخص الواحد، وأن الناس فى كل زمان