ج ٨، ص : ١٧٨
الأولياء والصالحين عند قبورهم والتضرع والخشوع لهم، ويكون توسلا بهم إلى اللّه ليقربوهم منه بشفاعتهم، لا عبادة لهم.
وقد علمت أن التوسل إنما هو التقرب إلى اللّه بما يرتضيه وبما شرعه من عبادته دون غيرها، وآيات الكتاب الكريم صريحة فى ذلك.
نعم إن طلب الدعاء من المؤمنين مشروع من الأحياء لا من الأموات، ويسمى ذلك توسلا لأنه قد شرعه اللّه كما توسل عمر والصحابة بالعباس بصلاة الاستسقاء وما بعدها من الدعاء.
وما ذم اللّه المشركين إلا لأنهم أشركوا مع اللّه غيره فى الدعاء، وهم كانوا يؤمنون باللّه وبعضهم كان يؤمن باليوم الآخر، ولكن طرأ عليهم الشرك الذي أحبط أعمالهم، وهكذا يحبط إيمان من أشرك من المسلمين بدعاء غير اللّه.
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) أي ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاح اللّه لها بما خلق فيها من المنافع وما هدى الناس إليه من استغلالها والانتفاع بتسخيرها لهم وامتنانه بذلك فى مثل قوله « وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ».
وهذا الإفساد شامل لإفساد النفوس بالقتل وقطع الأعضاء، وإفساد الأموال بالغصب والسرقة، وإفساد الأديان بالكفر والمعاصي، وإفساد الأنساب بالإقدام على الزنا، وإفساد العقول بشرب المسكر ونحوه.
والخلاصة - إن الإفساد شامل لإفساد العقول والعقائد والآداب الشخصية والاجتماعية والمعايش والمرافق من زراعة وصناعة وتجارة ووسائل تعاون بين الناس.
وإصلاح اللّه تعالى لحال البشر كان بهداية الدين وإرسال الرسل، وتمم ذلك ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي كان رحمة للعالمين، فبه أصلحت عقائد البشر، وهذبت أخلاقهم وآدابهم بما جمع لهم فيها من مصالح الروح والجسد، وما شرع لهم