ج ٩، ص : ١٩٦
المعنى الجملي
لما حذر اللّه تعالى من الفتنة بالأموال والأولاد، قفى على ذلك بطلب التقوى التي ثمرتها ترك الميل والهوى فى محبة الأموال والأولاد.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) أي إن تتقوا اللّه فتتبعوا أوامر دينه وتسيروا بمقتضى سننه فى نظام خلقه يجعل لكم فى نفوسكم ملكة من العلم تفرقون بها بين الحق والباطل، وتصلون بين الضار والنافع، وهذا النور فى العلم الذي لا يصل إليه طالبه إلا بالتقوى هو الحكمة التي قال اللّه تعالى فيها « وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً، وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ».
واتقاء اللّه يتحقق بمعرفة سننه فى الإنسان وحده أو فيه وهو فى المجتمع الإنسانى كما ترشد إلى ذلك آيات الكتاب الحكيم فى مواضع متفرقة منه، ومن ثم كانت ثمرة التقوى حصول ملكة الفرقان التي بها يفرق صاحبها بين الأشياء التي تعرض له من علم وحكمة وعمل فيفصل فيها بين ما ينبغى فعله وما يجب تركه.
وعلى الجملة فالمتقى للّه يؤتيه اللّه فرقانا يميز به بين الرشد والغى، ومن ثم كان الخلفاء والحكام من الصحابة والتابعين من أعدل حكام الأمم فى الأرض، حتى لقد قال بعض المؤرخين من الإفرنج ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب.
(وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي ويمح بسبب ذلك الفرقان وتأثيره ما كان من دنس الآثام فى النفوس، فتزول منها داعية العودة إليها، ويغطيها فيسترها عليكم فلا يؤاخذكم بها، واللّه الذي يفعل ذلك بكم له الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه.


الصفحة التالية
Icon