ج ٩، ص : ٢٠٨
على ترك عقيدته إكراها ولا يؤذى ويعذب لأجلها كما قال تعالى :« لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ » والمسلمون إنما يقاتلون لحرية دينهم ولا يكرهون عليه أحدا من دونهم.
وروى عن ابن عباس تفسير الفتنة بالشرك - والمعنى عليه - قاتلوهم حتى لا يبقى شرك وتزول الأديان الباطلة فلا يبقى إلا الإسلام.
ويؤيد الرأى الأول أنه جاء رجلان فى فتنة ابن الزبير إلى عبد اللّه بن عمر فقالا :
إن الناس قد صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج ؟ قال يمنعنى أن اللّه حرم علىّ دم أخى المسلم. قالا ولم يقل اللّه (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) قال قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين للّه وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير اللّه.
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي فإن انتهوا عن الكفر وعن قتالكم فإن اللّه يجازيهم على ما فعلوا بحسب علمه.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ، نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أي وإن أعرضوا عن سماع تبليغكم ولم ينتهوا عن كفرهم وفتنتهم وقتالهم لكم فأيقنوا بنصر اللّه ومعونته لكم وهو متولى أموركم فلا تبالوا بهم ولا تخشوا بطشهم، وهو نعم المولى ونعم النصير فلا يضيع من تولاه ولا يغلب من نصره.
وما غلب المسلمون فى العصور الأخيرة وذهب أكثر ملكهم إلا لأنهم تركوا الاهتداء بهدى دينهم وتركوا الاستعداد المادي والحربي الذي طلبه اللّه بقوله :« وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ » واتكلوا على خوارق العادات وقراءة الأحاديث والدعوات، وذلك ما لم يشرعه اللّه ولم يعمل به رسوله - إلى أنهم تركوا العدل والفضائل وسنن اللّه فى الاجتماع التي انتصر بها السلف الصالح، وأنفقوا أموال الأمة والدولة فما حرم اللّه عليهم من الإسراف فى شهواتهم.