كأنه قيل : لا تبتغوا مالَه فعند الله مغانمُ كثيرةٌ يُغنِمُكموها فيغنيكم عن ارتكاب ما ارتكبتموه، وقولُه تعالى :﴿ كذلك كُنتُمْ مّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ ﴾ تعليلٌ للنهي عن القول المذكورِ، ولعل تأخيرَه لما فيه من نوع تفصيل ربما يُخِلُّ تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظمِ الكريم، مع ما فيه من مراعاة المقارنةِ بين التعليلِ السابقِ وبين ما عُلِّل به كما في قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ ﴾ الخ، وتقديمُ خبرِ كان للقصر المقيّدِ لتأكيد المشابهةِ بين طرفي التشبيهِ، وذلك إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلةِ والفاء في فمن للعطف على كنتم أي مثلَ ذلك الذي ألقى إليكم السلامَ كنتم أيضاً في بدء إسلامِكم لا يظهرُ منكم للناس غيرُ ما ظهر منه لكم من تحية الإسلامِ ونحوِها فمنّ الله عليكم بأن قبل منكم تلك المرتبةَ وعصَم بها دماءَكم وأموالَكم ولم يأمُرْ بالتفحُّص عن سرائركم، والفاءُ في قوله تعالى :﴿ فَتَبَيَّنُواْ ﴾ فصيحةٌ أي إذا كان الأمرُ كذلك فاطلُبوا بيانَ هذا الأمرِ البيِّنِ وقيسوا حالَه بحالكم وافعلوا به ما فُعل بكم في أوائلِ أمورِكم من قَبول ظاهرِ الحالِ من غير وقوفٍ على تواطُؤِ الظاهِرِ والباطنِ، هذا هو الذي تقتضيه جزالةُ التنزيلِ وتستدعيه فخامةُ شأنِه الجليلِ، و ﴿ مِنْ ﴾ حسِبَ أن المعنى أولُ ما دخلتم في الإسلام سُمعت من أفواهكم كلمةُ الشهادةِ فحصَّنَتْ دماءَكم وأموالَكم من غير انتظارِ الاطلاعِ على مواطأة قلوبِكم لألسنتكم فمنّ الله عليكم بالاستقامة والاشتهارِ بالإيمان والتقدّمِ فيه، وأنْ صِرْتم أعلاماً فيه، فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فُعل بكم وأن تعتبروا ظاهِرَ الإسلامِ في الكف ولا تقولوا الخ فقد أبعدَ عن الحق، لأن المرادَ كما عرفتَ بيانُ أن تحصينَ الدماءِ والأموالِ حُكمٌ مترتِّبٌ على


الصفحة التالية
Icon