وحملُ الكلامِ على معنى أنكم في أول الأمرِ كنتم مثلَه في قصور الرتبة في الإسلام فمنّ الله عليكم وبلغتم هذه الرتبةَ العاليةَ منه فلا تستقصروا حالتَه نظراً إلى حالتكم هذه بل اعتدّوا بها نظراً إلى حالتكم السابقةِ يردُّه أن قتلَه لم يكن لاستقصار إسلامِه بل لتوهم عدمِ مطابقةِ قلبِه للسانه فإن الآيةَ الكريمةَ نزلت في شأن مِرْداسِ بنِ نهيكٍ من أهل فدَكٍ وكان قد أسلم ولم يُسلمْ من قومه غيرُه فغزتْهم سريةٌ لرسول الله ﷺ عليهم غالبُ بنُ فَضالةَ الليثي فهربوا وبقيَ مرداسٌ لثقته بإسلامه فلما رأى الخيلَ ألجأ غنمَه إلى عاقول من الجبل وصعِد فلما تلاحقوا وكبّروا كبّر وقال : لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله السلامُ عليكم فقتله أسامةُ بنُ زيدٍ واستاق غنمَه فأخبروا رسولَ الله ﷺ فوجَد وجْداً شديداً وقال :" قتلتموه إرادةَ ما معه " فقال أسامةُ : إنه قال بلسانه دون قلبِه وفي رواية إنما قالها خوفاً من السلاح، فقال عليه الصلاة والسلام :" هلا شقَقْتَ عن قلبه " وفي رواية " أفلا شقَقْتَ عن قلبه " ثم قرأ الآيةَ على أسامةَ فقال : يا رسولَ الله استغفِرْ لي، فقال :" كيف بلا إله إلا الله " قال أسامة : فما زال عليه الصلاة والسلام يعيدُها حتى ودِدتُ أن لم أكن أسلمتُ إلا يومئذ، ثم استغفرَ لي وقال :" أعتِقْ رقبة " وقيل : نزلت في رجل قال : يا رسول الله كنا نطلُب القومَ وقد هزمهم الله تعالى فقصَدْتُ رجلاً فلما أحسَّ بالسيف قال : إني مسلمٌ فقتلتُه، فقال رسولُ الله ﷺ :"أقتلتَ مسلماً ؟ قال : إنه كان متعوّذاً، فقال عليه الصلاة والسلام :" أفلا شقَقْتَ عن قلبه " ﴿ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ من الأعمال الظاهرةِ والخفيةِ وبكيفياتها ﴿ خَبِيراً ﴾ فيجازيكم بحسبها إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌّ فلا تتهاونوا في القتل واحتاطوا فيه، والجملةُ تعليلٌ لما قبلها
بطريق الاستئنافِ وقرىء بفتح إن على أنها معمولُه لِتَبَيَّنوا أو على حذف لامِ التعليل. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ٢١٨ ـ ٢٢٠﴾


الصفحة التالية
Icon