وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ الْمِقْدَادُ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْخَامِسُ.
قَالَ الْقَاضِي : قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَنَّهُ حَمَلَ دِيَتَهُ، وَرَدَّ عَلَى أَهْلِهِ غَنِيمَتَهُ ﴾، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا صَحِيحًا عَلَى طَرِيقِ الِائْتِلَافِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْمَقْتُولَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَوْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَوْ يَكُونَ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الَّذِي قَالَ عُلِمَ إسْلَامُهُ : فَأَمَّا كَوْنُهُ عَامِرَ بْنِ الْأَضْبَطِ فَبَعِيدٍ ؛ لِأَنَّ قِصَّةَ عَامِرٍ قَدْ اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا كَثِيرًا لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ، تَبَيَّنَ أَنَّ قَتْلَ مُحَلِّمٍ إنَّمَا كَانَ لِإِحْنَةٍ وَحِقْدٍ بَعْدَ الْعِلْمِ بِحَالٍ، وَكَيْفَمَا تَصَوَّرَ الْأَمْرَ فَفِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ نَزَلَتْ، وَغَيْرُهَا يَدْخُلُ فِيهَا بِمَعْنَاهَا.
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا لَقِيَ الْكَافِرَ لَا عَهْدَ لَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ ؛ فَإِنْ قَالَ لَهُ الْكَافِرُ :" لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ ؛ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِعِصَامِ الْإِسْلَامِ الْمَانِعِ مِنْ دَمِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ.
فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ بِهِ.
وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَتْلُ عَنْ هَؤُلَاءِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَتَأَوَّلُوا أَنَّهُ قَالَهَا مُتَعَوِّذًا، وَأَنَّ الْعَاصِمَ قَوْلُهَا مُطْمَئِنًّا، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَاصِمٌ كَيْفَمَا قَالَهَا.


الصفحة التالية
Icon