فَإِنْ قَالَهَا تَبَيَّنَ صِدْقُهُ، وَإِنْ أَبَى عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ تَلَاعُبٌ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَنْ يَرَى إسْلَامَهُ رِدَّةً وَيُقْتَلُ عَلَى كُفْرِهِ الْأَصْلِيِّ، وَذَلِكَ مُحَرَّرٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، مُقَرَّرٌ أَنَّهُ كُفْرٌ أَصْلِي لَيْسَ بِرِدَّةٍ.
وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي قَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ يُكَلَّفُ الْكَلِمَةَ، فَإِنْ قَالَهَا تَحَقَّقَ رَشَادُهُ، وَإِنْ أَبِي تَبَيَّنَ عِنَادُهُ وَقُتِلَ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ أَيْ الْأَمْرَ الْمُشْكِلَ، أَوْ تَثَبَّتُوا وَلَا تَعْجَلُوا، الْمَعْنَيَانِ سَوَاءٌ ؟ فَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَتَى مَنْهِيًّا عَنْهُ، لَا يَبْلُغ فِدْيَةً وَلَا كَفَّارَةً وَلَا قِصَاصًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ كُفْرِهِ قَدْ تَيَقَّنَاهُ، فَلَا يُزَالُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ.
فَإِنْ قِيلَ : فَتَغْلِيظُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُحَلِّمٍ كَيْفَ مَخْرَجُهُ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يُحَقِّقْهُ ؛ فَغَضِبَ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ١ صـ ٦٠٦ ـ ٦٠٩﴾
سؤال : فإن قيل : إذا كان من قولكم : إن عسى من الله واجب فقد قال الله ﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ونحن نراهم في بأس وشدة، فأين ذلك الوعد ؟
فيقال لهم : قد قيل : إن المراد به الكفرة الذين كفّ بأسهم في بدر الصغرى، والحديبية بقوله ﴿وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾ الآية، فإن كان ظاهرها العموم فالمراد منها الخصوص.