وقال البخاريّ : قال حبيب بن أبي عَمْرة عن سعيد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم للمقداد :< إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل >، هكذا رواه البخاريّ معلقاً مختصراً.
ورواه الحافظ أبو بكر البزار مطولاً موصولاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله، وأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه : أقتلت رجلاً شهد أن لا إله الله الله ؟ والله ! لأذكرن ذلك للنبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فلما قدموا على رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قالوا : يا رسول الله ! إن رجلاً شهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال :< ادعوا لي المقداد، يا مقداد ! أقتلت رجلاً يقول : لا إله إلا الله ! فكيف لك بـ ( لا إله إلا الله ) غداً ؟ > قال : فأنزل الله :﴿ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ﴾ إلى قوله :﴿ كَذَلِكَ كُنتُم مّن قَبْلُ ﴾ الآية، فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم للمقداد :< كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل >.
قال ابن كثير : فقوله تعالى :﴿ كَذَلِكَ كُنتُم مّن قَبْلُ فَمَنّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ أي : قد كنت من قبل هذه الحال كهذا الذي يُسِرّ إيمانه ويخفيه من قومه، كما تقدم في الحديث المرفوع، وكما قال تعالى :﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ الأنفال : من الآية ٢٦ ] الآية، وهذا وجه آخر في مرجع الإشارة، غير ما سلف، وهو الأدق، وبالقبول أحق.