وقال الرازيّ : قال أكثر الفقهاء : لو قال اليهودي والنصراني : أنا مؤمن، أو قال : أنا مسلم، لا يحكم بهذا القدر بإسلامه، لأن مذهبه أن الذي هو عليه هو الإسلام، وهو الإيمان، ولو قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعند قوم لا يحكم بإسلامه، لأن فيهم من يقول : إنه رسول الله إلى العرب، لا إلى الكل، ومنهم من يقول : إن محمداً الذي هو الرسول الحق، بعدُ ما جاء، وسيجيء بعد ذلك، بل لا بد وأن يعترف بأن الدين الذي كان عليه باطل، وأن الدين الموجود فيما بين المسلمين هو الحق والله أعلم. انتهى.
أقول : كل من قال : أنا مؤمن أو أنا مسلم، من المحاربين، مظهراً الانقياد لنا، وأنه من ملتنا، فإنه يحكم بإسلامه، ويكف عن قتله وأخذ ماله، كتابياً كان أو مشركاً، وهذا هو المقصود من الآية، وأما مسالة من أراد الدخول في الإسلام وهو على عقيدة فاسدة، وأنه لا بد في صحة إسلامه من تبرئه عنها، ونبذها ظهرياً، وأنه لا يكتفي بقوله : أنا مسلم - فذاك بحث آخر مسلَّم، لكن ليس مما تشمله الآية، كما أن من أظهر الإسلام وأتى بالشهادتين ولم يَدِنْ بشرائع الإسلام وإقامة شعائره، كبعض القبائل البادية الجافية، فإن يجب على الإمام قتالهم، ولا يقال : إن الآية تشملهم لما ذكرنا، وظاهر أن مدار النهي في الآية إنما هو على سفك الدماء ابتغاء عرض الدنيا، لقوله ( تبتغون )، وهو حال كما أسلفنا، والحال قيد لعاملها، فما ذكره الرازيّ عن الفقهاء ليس مما تشمله الآية، لأن البحث ليس في القدر الذي يصير به الكافر مسلماً، بل في الكف عن قتل المنقاد لنا، فافهم. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٥ صـ ٢٨٥ ـ ٢٩١﴾