ولذلك يفاجئ الحق النفس البشرية التي تهفو إلى المغانم، ويكشفها أمام صاحبها، فيأتي بالحكم الذي يُظهر الخواطر التي تجول في النفس ساعة سماع الحكم. وعندما أراد سبحانه أن يُحرم دخول المشركين البيت الحرام، وسبحانه يعلم خفايا النفوس ؛ لأن المشركين حين يدخلون البيت الحرام بتجاراتهم وأموالهم إنما يدخلون مكة من أجل موسم اقتصادي يبيعون فيه البضائع التي يعيشون من ريعها وربحها طوال العام. وساعة يحرم سبحانه دخول المشركين إلى البيت الحرام، يعلم أن أهل الحرم ساعة يسمعون هذا الحكم سيتذكرون مكاسبهم من التجارة، فقال :
﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
[التوبة : ٢٨].
وقبل أن يقول أهل الحرم في أنفسهم : وكيف نعيش ونصرف بضائعنا ؟، يتابع سبحانه :
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾
[التوبة : ٢٨].
وبذلك يكشف الحق أمام النفوس خواطرها الدفينة ؛ فهو العليم بأن الحكم ساعة ينزل ما الذي سيحدث في أذهان سامعيه ؛ فهو خالقهم، ولذلك فلا أحد له من بعد ذلك تعليق!
وقوله الحق :﴿ تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ينطبق في كل عصر وفي كل زمان. ويقول الحق بعد ذلك :﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ﴾. فسبحانه الرزّاق الوهاب. ولذلك أنا أحب أن يزين الناس أماكنهم ومساكنهم بلوحات فنية مكتوب عليها :
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾
[التوبة : ٢٨].
وكذلك قول الحق :
﴿ تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ﴾
[النساء : ٩٤].
لعل ذلك يمس قلوب من بيدهم الأمر، فيلتفتوا إلى الله. وبعد ذلك يقول الحق :﴿ كَذالِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾.