و قالوا إنه عاش ألف سنة حتى أدرك داود عليه السلام وتلمذ لألف نبي وتلمذ له ألف نبي وكان مفتيا وقاضيا في بني إسرائيل قبل ظهور داود وهذا من خصائصه ومقتضيات شرع من قبله أما في زماننا هذا وشريعة من قبلنا من هذه الأمة الإسلامية عدم جواز الجمع بين الإفتاء والقضاء في رجل واحد لأن الإفتاء غير القضاء قالوا ونودي في المنام هل نجعلك خليفة بين الناس فقال إن خيرني ربي قبلت العافية ولم اختر البلاء وإن عزم فسمعا وطاعة فإن فعل بي ربي أعانني وعصمني، فقالت له الملائكة وهو لا يراهم ولم يا لقمان ؟ قال إن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان إن عدل فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، وذل الدنيا المؤدي إلى الجنة خير من شرفها الموصل إلى النار ومن اختارها على الآخرة فتنته ولم يصب نعيم الآخرة فعجبت الملائكة من حسن منطقه وبلاغته وكثير معناه فنام وانتبه وإذا هو يتكلم بالحكمة وهي الإصابة بالرأي والحنكة في الأمر وشيء يجعله اللّه تعالى في القلب فينوّره فيدرك فيه كما يدرك الناس بأبصارهم بل إدراك البصيرة آكد وأحق وأصدق لأن ما يدرك بالبصر يحتمل الخطأ وما يدرك بالبصيرة لا يحتمله، وقالوا إنه تكلم باثنى عشر بابا من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم وقضاياهم،
وقالوا إن سيده قال له اعطني أطيب مضغتين من الشاة فأعطاه القلب واللسان، ثم قال له أعطني أخبثهما فأعطاهما إياه أيضا، فسأله عن ذلك، فقال لا شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا.
ومن حكمه ليس مال كصحة، ولا نعيم كطيب النفس، وشر الناس الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا.
وقوله لابنه إن الدنيا بحر عميق غرق فيه كثيرون فاجعل سفينتك فيها تقوى اللّه وحشوها الإيمان وشراعها التوكل على اللّه، لعلك تنجو ولا أراك ناجيا.
أي لأن النجاة بيد اللّه يهبها لمن يشاء من عباده ممن يوفقه للعمل الصالح.


الصفحة التالية
Icon