بما يراه لنفسه من المناقب عليهم هذا وما قاله بعض المفسرين من أن المراد بقوله تعالى (وَلا تُصَعِّرْ) إلخ أي لا تذلل نفسك من غير حاجة فتلوي عنقك لا يناسب ما بعدها وأن تأويله بميله عن الناس أولى بالمقام لأنه من فعل المتكبرين المنهي عنه، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما :
وكنا إذا الجبار صعر خدّه أقمنا له من ميله فتقوما
وسياق ما قبله النهي عن أفعال المتجبرين وكذلك سياق ما بعده وهو قوله "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ" توسط وليكن بين الهرولة والتبختر وأن يكون تؤدة بالسكينة والوقار لأن الهرولة تذهب بهاء المؤمن والتبختر من الكبر وكلاهما مذموم راجع الآية ٣٧ من الإسراء في ج ١، وقوله تعالى "وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ" ما استطعت وكلم الناس بقدر ما يسمعون ففيه الوقار لك والكرامة لمن تكلمه وكانت العرب في الجاهلية تفتخر بجهارة الصوت وتمدح به قال شاعرهم :
جهير الكلام جهير العطاس جهير الرداء جهير النعم
فجاء الإسلام بذمه لأن خفض الصوت أوقر للمتكلم واحفظ للأدب وأدمث للخلق وأبسط لنفس السامع وأدعى لفهمه ويكفي فيه ذما قوله تعالى "إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ" أقبحها وأوحشها وأمجّها للطبع "لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ١٩" وذلك لأنه أشبه بأصوات أهل جهنم من حيث أوله زفير وآخره شهيق ولزيادة علوه يكاد أن يصرع سامعه القريب.