"أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ" عليكم أيها الناس "لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ" العجيبة الدالة على كمال قدرته "إِنَّ فِي ذلِكَ" السير على الهواء المجرد مع عظمها وثقل حمولتها "لَآياتٍ" بديعات "لِكُلِّ صَبَّارٍ" على أوامره وتحمل ابتلائه "شَكُورٍ ٣١" لنعمائه في سرانه وضرائه، وهذان الوصفان من أكمل سمات المؤمن لأن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر، وإنما ذكر اللّه تعالى هذين الوصفين بعد ذكر الفلك لأن الراكب فيها لا يخلو عنهما كما لا يخلو من الاستدلال على قدرة اللّه وعظيم نعمته على خلقه.
قال تعالى "وَإِذا غَشِيَهُمْ" الكفرة المذكورين أثناء ركوبهم البحر "مَوْجٌ كَالظُّلَلِ" بارتفاعه إذ يصير فوقهم كالظلة يظل من تحته كالسحاب والجبل الشاهق ورأوا الموت بأعينهم بأن تحقق عندهم الغرق "دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" وينسون أوثانهم التي يشركونها في عبادته حالة الرخاء والأمن وذلك لعلمهم أنه لا ينجيهم من الشدائد إلا هو "فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ" وأمنوا الغرق الذي كان محيقا بهم "فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ" متوسط في حاله لانزجاره في الجملة عدل فيما عاهد اللّه عليه، ومنهم من لم يوف بعهده ولم يعتبر بما أراه اللّه من الخوف والأمن وهو المعنى بقوله تعالى
"وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ" غدار نكاث للعهد نقّاض للوعد "كَفُورٍ ٣٢" جحود لتلك النعمة كما هو جحود لغيرها من قبل ولم يذكر في هذه الآية السابق بالخيرات لأن الأصناف ثلاثه، راجع الآية ٣٢ من سورة فاطر في ج ١.
وهذه الآية عامة في كل من هذا شأنهما، وما قيل إنها نزلت في عكرمة ابن أبي جهل حين هرب عام الفتح إلى البحر وقد أمّن رسول اللّه الناس إلا أربعة، إذ قال صلّى اللّه عليه وسلم اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة.


الصفحة التالية
Icon