وفي كل هذه المعارض والمشاهد تواجه القلب البشري بما يوقظه ويحركه ويقوده إلى التأمل والتدبر مرة، وإلى الخوف والخشية مرة، وإلى التطلع والرجاء مرة. وتطالعه تارة بالتحذير والتهديد، وتارة بالإطماع، وتارة بالإقناع.. ثم تدعه في النهاية تحت هذه المؤثرات وأمام تلك البراهين. تدعه لنفسه يختار طريقه، وينتظر مصيره على علم وعلى هدى وعلى نور.
ويمضي سياق السورة في عرض تلك القضية في أربعة مقاطع أو خمسة متلاحقة متصلة: يبدأ بالأحرف المقطعة (ألف. لام. ميم)منبها بها إلى تنزيل الكتاب من جنس هذه الأحرف. ونفي الريب عن تنزيله والوحي به: (من رب العالمين).. ويسأل سؤال استنكار عما إذا كانوا يقولون: افتراه. ويؤكد أنه الحق من ربه لينذر قومه (لعلهم يهتدون)..
وهذه هي القضية الأولى من قضايا العقيدة: قضية الوحي وصدق الرسول ( ﷺ ) في التبليغ عن رب العالمين.
ثم يعرض قضية الألوهية وصفتها في صفحة الوجود: في خلق السماوات والأرض وما بينهما، وفي الهيمنة على الكون وتدبير الأمر في السماوات والأرض، ورفع الأمر إليه في اليوم الآخر.. ثم في نشأة الإنسان وأطواره وما وهبه الله من السمع والبصر والإدراك. والناس بعد ذلك قليلا ما يشكرون.
وهذه هي القضية الثانية: قضية الألوهية وصفتها: صفة الخلق، وصفة التدبير، وصفة الإحسان، وصفة الإنعام، وصفة العلم. وصفة الرحمة. وكلها مذكورة في سياق آيات الخلق والتكوين.
ثم يعرض قضية البعث، وشكهم فيه بعد تفرق ذراتهم في التراب: وقالوا: أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ؟ ويرد على هذا الشك بصيغة الجزم واليقين.
وهذه هي القضية الثالثة: قضية البعث والمصير.


الصفحة التالية
Icon