ولم تعد في حاجة إلى حوافز قوية للجهاد بالحديث عن الشهداء وما أعد الله لهم عنده من الكرامة ; ولا بيان حكمة الابتلاء بالقتال ومشقاته كما في سورة محمد إذ يقول الله تعالى: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم).
إنما صار الحديث عن السكينة التي أنزلها الله في قلوب المؤمنين، أو أنزلها عليهم. والمقصود بها تهدئة فورتهم، وتخفيض حميتهم، واطمئنان قلوبهم لحكم الله وحكمة رسوله ( ﷺ ) في المهادنة والملاينة، وعن رضى الله عن المبايعين تحت الشجرة. وكانت هذه الصورة الوضيئة في نهاية السورة للرسول ومن معه.
أما الحديث عن الوفاء بالبيعة والنكث فيها في قوله تعالى:(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما).. فالإيحاء فيه أكثر إلى تكريم المبايعين وتعظيم شأن البيعة. والإشارة إلى النكث جاءت بمناسبة الحديث عن الأعراب المتخلفين، وكذلك الإشارة إلى المنافقين والمنافقات فهي إشارة عابرة، تدل على ضعف موقف هذه الطائفة، وعلى خلوص الجماعة المسلمة بالمدينة ونضوجها وتجانسها. وهي على كل حال إشارة عابرة لا تشغل من السورة شيئا مما شغله الحديث عن المنافقين في سورة محمد، حيث كان للمنافقين شأنهم هم وحلفاؤهم اليهود. وهذا تطور آخر في موقف الجماعة المسلمة من ناحية موقفها الخارجي يساير ذلك التطور الذي تم في نفوسها من الداخل.


الصفحة التالية
Icon