ولكن الحياة في جو النبوة في بيت رسول الله ( ﷺ ) لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه - رضي الله عنهن - فقد كان يبدر أو يشجر بينهن، ما لابد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال. وقد سلف في رواية ابن إسحاق عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كرهت جويرية بمجرد رؤيتها لما توقعته من استملاح رسول الله ( ﷺ ) لها إذا رآها. وصح ما توقعته فعلا ! وكذلك روت هي نفسها حادثا لها مع صفية. قالت. " قلت للنبي ( ﷺ ): حسبك من صفية كذا وكذا". قال الراوي: تعني قصيرة ! فقال ( ﷺ ):" لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ".. كذلك روت عن نفسها أن النبي ( ﷺ ) حين نزلت آية التخيير التي في الأحزاب، فاختارت هي الله ورسوله والدار الآخرة، طلبت إليه ألا يخبر زوجاته عن اختيارها ! - وظاهر لماذا طلبت هذا ! - فقال ( ﷺ ):" إن الله تعالى لم يبعثني معنفا، ولكن بعثني معلما ميسرا. لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها.. ".
وهذه الوقائع التي روتها عائشة - رضي الله عنها - عن نفسها - بدافع من صدقها ولتربيتها الإسلامية الناصعة - ليست إلا أمثلة لغيرها تصور هذا الجو الإنساني الذي لابد منه في مثل هذه الحياة. كما تصور كيف كان الرسول ( ﷺ ) يؤدي رسالته بالتربية والتعلية في بيته كما يؤديها في أمته سواء.
وهذا الحادث الذي نزل بشأنه صدر هذه السورة هو واحد من تلك الأمثلة التي كانت تقع في حياة الرسول ( ﷺ ) وفي حياة أزواجه. وقد وردت بشأنه روايات متعددة ومختلفة سنعرض لها عند استعراض النصوص القرآنية في السورة.