وقال أبو السعود :
﴿ قُلْ يا أيها الكافرون ﴾
هم كفرةٌ مخصوصونَ قدْ علمَ الله تعالَى أنَّه لا يتأتَّى منهمْ الإيمانُ أبداً. رُوِيَ أنَّ رهطاً مِنْ عُتاةِ قريشٍ قالُوا لرسولِ الله ﷺ : هلمَّ فاتبعْ دينَنَا ونتبعُ دينَكَ تعبدُ آلهتَنَا سنةً ونعبدُ إلهك سنةً، فقالَ :" معاذَ الله أنْ أشركَ بالله غيرَهُ " فقالُوا : فاستلمْ بعضَ آلهتِنَا نصدقكَ ونعبدَ إلهك فنزلتْ، فغدَا إلى المسجدِ الحرامِ وفيهِ الملأُ من قريشٍ فقامَ على رؤوسِهم فقرأَهَا عليهم فأيِسوا ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ أيْ فيمَا يُستقبلُ لأَنَّ "لاَ" لاَ تدخلُ غالباً إلاَّ على مُضَارعٍ في مَعْنى الاستقبالِ كما أنَّ مَا لاَ تدخلُ إلاَّ على مضارعٍ في مَعْنى الحالِ والمَعْنى لا أفعلُ في المستقبلِ ما تطلبونَهُ مِنِّي من عبادةِ آلهتكم ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ ﴾ أيْ ولا أنتُم فاعلونَ فيهِ ما أطلبُ منكُم من عبادةِ إلهي ﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ أيْ وما كنتُ قطُّ عابداً فيمَا سلفَ ما عبدتُم فيه أيْ لم يُعْهدْ مِنِّي عبادةُ صنمٍ في الجاهليةِ فكيفَ تُرْجَى مِنِّي في الإسلامِ ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ ﴾ أيْ وما عبدتُم في وقتٍ مِنَ الأوقاتِ مَا أنا على عبادتِهِ وقيلَ : هاتانِ الجملتانِ لنفي العبادةِ حالاً كما أنَّ الأولين لنفيها استقبالاً وإنَّما لم يقُلْ ما عبدتُ ليوافقَ ما عبدتُم لأنَّهم كانُوا موسومينَ قبلَ البعثةِ بعبادةِ الأصنامِ، وهُوَ عليهِ السلامُ لم يكُنْ حينئذٍ موسوماً بعبادةِ الله تعَالَى وإيثارُ مَا في أعبدُ على مَنْ لأنَّ المرادَ هُوَ الوصفُ كأنَّه قيلَ : مَا أعبدُ مِنَ المعبودِ العظيمِ الشأنِ الذي لا يُقادَرُ قدرُ عظمتِهِ وقيلَ : إنَّ مَا مصدريةٌ أيْ لا أعبدُه عبادتَكُم ولا تعبدونَ عبادَتِي وقيلَ : الأوليانِ بمَعْنى الذي والأخريانِ مصدريتانِ وقيلَ : قولُه تعالَى :﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾


الصفحة التالية
Icon