شهراً فانزل الله :﴿وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ﴾ ولما كان هذا الذي ذكرناه محتملاً لم يكن التكرار على هذا الوجه مضراً ألبتة الوجه الثالث : أن الكفار ذكروا تلك الكلمة مرتين تعبد آلهتنا شهراً ونعبد إلهك شهراً وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة.
فأتى الجواب على التكرير على وفق قولهم وهو ضرب من التهكم فإن من كرر الكلمة الواحدة لغرض فاسد يجازي بدفع تلك الكلمة على سبيل التكرار استخفافاً به واستحقاراً لقوله.
المسألة الثانية :
في الآية سؤال وهو أن كلمة :﴿مَا﴾ لا تتناول من يعلم فهب أن معبودهم كان كذلك فصح التعبير عنه بلفظ ما لكن معبود محمد عليه الصلاة والسلام هو أعلم العالمين فكيف قال :﴿وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ﴾ أجابوا عنه من وجوه أحدها : أن المراد منه الصفة كأنه قال : لا أعبد الباطل وأنتم لا تعبدون الحق وثانيها : أن مصدرية في الجملتين كأنه قال : لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي في المستقبل، ثم قال : ثانياً لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي في الحال وثالثها : أن يكون ما بمعنى الذي وحينئذ يصح الكلام ورابعها : أنه لما قال أولاً :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ حمل الثاني عليه ليتسق الكلام كقوله :﴿وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا﴾ [ الشورى : ٤٠ ].
المسألة الثالثة :
احتج أهل الجبر بأنه تعالى أخبر عنهم مرتين بقوله :﴿وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ﴾ والخبر الصدق عن عدم الشيء يضاد وجود ذلك الشي فالتكليف بتحصيل العبادة مع وجود الخبر الصدق بعدم العبادة تكليف بالجمع بين الضدين، واعلم أنه بقي في الآية سؤالات :