وقال القرطبى :
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) ﴾
ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس : أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خَلَف ؛ لقوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا محمد، هَلُمَّ فلنعبدْ ما تعبد، وتَعْبَدْ ما نَعْبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ؛ فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه.
وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيدك، كنت قد شرِكتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه ؛ فأنزل الله عز وجل ﴿ قُلْ يا أيها الكافرون ﴾.
وقال أبو صالح عن ابن عباس : إنهم قالوا لرسول الله ﷺ : لَوِ اسْتَلَمْت بعض هذه الآلهة لصدقناك ؛ فنزل جبريل على النبيّ ﷺ بهذه السورة، فيئسوا منه، وآذَوه ؛ وآذَوا أصحابه.
والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأيّ ؛ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم.
ونحوه عن الماوردّي : نزلت جواباً، وعَنَى بالكافرينَ قوماً مُعَيَّنِين، لا جميع الكافرين ؛ لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات أو قُتِل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون.
قال أبو بكر بن الأنباريّ : وقرأ من طعن في القرآن : قُلْ لِلَّذِين كَفَرُوا ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده الله من أن يُذِلّ نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزرِيّ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لبِ وحِجاً.
وذلك أن الذي يدّعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلاً ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم.