فمعنى قراءتنا : قل للذين كفروا : يا أيها الكافرون ؛ دليل صحة هذا : أن العربيّ إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا، فمعناه قلْ لزيد يا زيد أقبل إلينا.
فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى ؛ إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم، فيقول لهم :"ياأيها الكافرون".
وهو يعلم أنهم يغضبون من أن يُنْسبوا إلى الكفر، ويدخلو في جملة أهله إلاَّ وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد، أو تقع به من جهتهم أذِية.
فمن لم يقرأ ﴿ قُلْ يا أيها الكافرون ﴾ كما أنزلها الله، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه الله إياها، وشرّفه بها.
وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ؛ كما تقول : والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله.
قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء، أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ؛ قال الله تعالى :﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [ الرحمن : ٤٥ ].
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [ المطففين : ١٠ ].
﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ [ النبأ : ٤ ٥ ].
و﴿ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً * إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ [ الشرح : ٥-٦ ].
كل هذا على التأكيد.
وقد يقول القائل : إِرْمِ إِرْمِ، اعجَلْ اعجَلْ ؛ ومنه قوله عليه السلام في الحديث الصحيح :" فلان آذن، ثم لا آذن، إنما فاطمة بضعة مني " خرّجه مسلم.
وقال الشاعر :
هلا سالتِ جموعَ كِندة...
يومَ ولَّوْا أَيْنَ أَيْنا
وقال آخر :
يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْباً...
يا لَبَكْرٍ أَينَ أَيْنَ الفِرارُ