﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ هذا إخبار أن هؤلاء الكفار لا يعبدون الله، كما قيل لنوح :﴿ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾ [ هود : ٣٦ ] إلا أن هذا في حق قوم مخصوصين ماتوا على الكفر، وقد روي أن هؤلاء الجماعة المذكورين هم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبيّ بن خلف وابن الحجاج وكلهم ماتوا كفاراً، فإن قيل : لم قال ما أعبد بما دون من التي هي موضوعة لمن يعقل؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدهما أن ذلك لمناسبة قوله :﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ فإن هذا واقع على الأصنام التي لا تعقل ثم جعل ما أعبد على طريقته لتناسب اللفظ. الثاني أنه أراد الصفة كأنه قال : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، قال الزمخشري. الثالث أن ما مصدرية والتقدير : لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي وهذا ضعيف، فإن قيل لم كرّر هذا المعنى واللفظ فقال بعد ذلك :﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ مرة أخرى؟ فالجواب من وجهين : أحدهما قول الزمخشري : وهو أن الأوّل في المستقبل والثاني فيما مضى والآخر قاله ابن عطية وهو أن الأول في الحال والثاني في الاستقبال فهو حتم عليهم أن لا يؤمنوا أبداً ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذه براءة منهم، وفيها مسالمة منسوخة بالسيف. أ هـ ﴿التسهيل حـ ٤ صـ ٢٢٠ ـ ٢٢١﴾