وأما قوله :﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ : أي وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته، فعابدون قد أعمله فيما أعبد، فلا يفسر بالماضي.
وأما قوله، وهو لم يكن إلى آخره، فسوء أدب منه على منصب النبوة، وهو أيضاً غير صحيح، لأنه ( ﷺ ) لم يزل موحداً لله عز وجل منزهاً له عن كل ما لا يليق بجلاله، مجتنباً لأصنامهم بحج بيت الله، ويقف بمشاعر إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وهذه عبادة لله تعالى، وأي عبادة أعظم من توحيد الله تعالى ونبذ أصنامهم! والمعرفة بالله تعالى من أعظم العبادات، قال تعالى :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ قال المفسرون : معناه ليعرفون.
فسمى الله تعالى المعرفة به عباده.
والذي أختاره في هذه الجمل أنه أولاً : نفى عبادته في المستقبل، لأن لا الغالب أنها تنفي المستقبل، قيل : ثم عطف عليه ﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ نفياً للمستقبل على سبيل المقابلة ؛ ثم قال :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ نفياً للحال، لأن اسم الفاعل العامل الحقيقة فيه دلالته على الحال ؛ ثم عطف عليه ﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ نفياً للحال على سبيل المقابلة، فانتظم المعنى أنه ( ﷺ ) لا يعبد ما يعبدون، لا حالاً ولا مستقبلاً، وهم كذلك، إذ قد حتم الله موافاتهم على الكفر.
ولما قال :﴿ لا أعبد ما تعبدون ﴾، فأطلق ما على الأصنام، قابل الكلام بما في قوله :﴿ ما أعبد ﴾، وإن كانت يراد بها الله تعالى، لأن المقابلة يسوغ فيها ما لا يسوغ مع الانفراد، وهذا على مذهب من يقول : إن ما لا تقع على آحاد من يعلم.
أما من جوّز ذلك، وهو منسوب إلى سيبويه، فلا يحتاج إلى استعذار بالتقابل.
وقيل : ما مصدرية في قوله :﴿ ما أعبد ﴾.
وقيل : فيها جميعها.
وقال الزمخشري : المراد الصفة، كأنه قيل : لا أعبد الباطل، ولا تعبدون الحق.
﴿ لكم دينكم ولي دين ﴾ : أي لكم شرككم ولي توحيدي، وهذا غاية في التبرؤ.