وروي أنهم ذكروا قولهم تعبد إلهنا مدة ونعبد إلهك مدة مرتين، فأجيبوا مكرراً على وفق قولهم وهو نوع من التهكم فإن من كرر الكلمة الواحدة لغرض فاسد قد يجاب عنه بنفيه مكرراً للاستخفاف وحسم مادة الطمع. القول الثاني : إن الأول للمستقبل وعلامته لا التي هي للاستقبال بدليل أن " لن " نفي للاستقبال على سبيل التوكيد أو التأبيد. وزعم الخليل أن أصله " لا أن " والثاني للحال والمعنى لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي. ثم قال ﴿ ولا أنا عابد ﴾ في الحال ﴿ ما عبدتم ولا أنتم ﴾ في الحال بعابدين لمعبودي. وعلى هذا القول زعم بعضهم أن الأمر بالعكس إذا الترتيب أن ينفى الحال أوّلاً ثم الاستقبال، وللأولين أن يجيبوا بأنهم إنما دعوه إلى عبادة غير الله في الاستقبال فكان الابتداء به أهم. وفائدة الإخبار عن الحال وكان معلوماً أنه ما كان يعبد الصنم والكفار كانوا يعبدون الله في بعض الأحوال هي أن لا يتوهم أحد أنه يعبد غير الله سراً خوفاً أو طمعاً، وعبادة الكفار لم تكن معتدّاً بها لأجل الشرك. ولأبي مسلم قول ثالث هو أن ما في الأولين بمعنى الذي، وأما في الآخرين فمصدرية أي ولا أنا عابد عبادتكم المبنية على الإشراك، ولا أنتم عابدون عبادتي المبنية على اليقين. ووجه رابع وهو أن يحمل الأول على نفي الالتماس الصادر عنهم، والآخر على النفي المطلق العام المتناول لجميع الجهات كمن يدعو غيره إلى الظلم لغرض التنعم فيقول : لا أظلم لغرض التنعم بل لا أظلم رأساً لا لهذا الغرض ولا لسائر الأغراض. قوله ﴿ ما تعبدون ﴾ ليس فيه إشكال إنما الإشكال في قوله ﴿ ما أعبد ﴾ فأجيب بعد تسليم أن " ما " ليست أعم بأن المراد به الصفة كأنه قيل : لا أعبد الباطل ولكن أعبد الحق أو هي " ما " المصدرية على نحوم ما مر، أو هي للطباق كقوله
﴿ وجزاء سيئة سيئة ﴾


الصفحة التالية
Icon