هذا ولما كانت هذه السّورة الكريمة مشيرة إلى كمال الأمر لحضرة الرّسول وتمام الدّعوة التي خلق لأجلها قرأها على الأصحاب فاستبشر البعض منهم بما فيها من السّرور الذي ما بعده سرور، وبكى ابن عباس رضي اللّه عنه فقال له صلّى اللّه عليه وسلم ما يبكيك (وهو قد عرف المرمى من بكائه) قال نعيت إليك نفسك، فقال عليه السّلام لقد أوتي هذا الغلام علما كثيرا، أي لما ألقي في روعه من مغزى هذه السّورة، وعرفه حق معرفته.
وروي أنها لما نزلت خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال إن عبدا خيّره اللّه بين الدّنيا وبين لقائه فاختار لقاء اللّه، فعلم أبوبكر رضي اللّه عنه فقال فديناك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا.
وعنه عليه السّلام أنه دعا فاطمة رضي اللّه عنها فقال يا بنتاه نعيت إليّ نفسي، فبكت فقال لا تبكي فإنك أول أهلي لحوقا بي فضحكت.
وتسمى هذه السّورة سورة التوديع لأنها نزلت في حجة الوداع وآذنت بوداع المنزل عليه ووداع الوحي المقدس إذ لم ينزل بعدها سوى الآيتين المذكورتين آنفا.
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت ما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت إذا جاء إلخ إلّا ويقول فيها سبحانك ربنا وبحمدك اللّهم اغفر لي.
وقال ابن عباس لما نزلت هذه السّورة علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه نعيت إليه نفسه، أي قبل أن يبكي ويقول ما قال، ولهذا سأله عن سبب بكائه عند ما تلاها صلّى اللّه عليه وسلم.