هذا وبعد نزول هذه السّورة والآيتين المذكورتين من المائدة والبقرة ختم الوحي المقدس ولم يعش حضرة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم بعدها سوى واحد وعشرين يوما، وقيل أحد عشر يوما، وقيل سبعة أيّام، وعلى الأوّل المعول لترادف الأقوال فيه، وبعد أن أدّى رسالة ربه كما أراده منه ختم أجله المقدر له، ثم لاقى وجه ربه عز وجل برحلته إلى حظيرة قدسه يوم الاثنين في ١٢ ربيع الأوّل سنة ٦٤ من ولادته و٢٤ من البعثة والحادية عشرة من الهجرة ووقع ما وقع بعد وفاته، ثم اتفقت الأصحاب على خلافة أبي بكر رضي اللّه عنه وكان ذلك، ومن أراد الوقوف على تفصيل ما وقع بعد وفاته عليه الصّلاة والسّلام فليراجع السّير ففيها كفاية، وقد رثاه بعض الأصحاب ببعض ما اختصه به من الصّفات الكريمة وما كان عليه من أخلاق عالية وأبدوا تأثرهم على فراقه مثبتة في السّير أيضا فمما قاله حسان رضي اللّه عنه وأرضاه :
كنت السّواد لناظري فعمى عليك النّاظر
من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر
وقالت فاطمة رضي اللّه عنها حينما وقفت على قبره الشّريف :
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها وغاب مذغبت عنا الوحي والكتب
فليت قبلك كان الموت صادفنا لما نعيت وحالت دونك الكتب
وقالت أيضا :
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الدّهور غواليا
صبت عليّ مصائب لو أنها صبّت على الأيّام صرن لياليا
وقال علي رضي اللّه عنه بعد أن علم بوفاة فاطمة بعد أبيها :
أرى علل الدّنيا عليّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليل
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على ألا يدوم خليل
هذا واللّه أعلم.
وأستغفر اللّه.
ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم.
وصلّى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.