البحر المحيط، ج ١، ص : ١١٢
وإذا التقت الهمزتان والأولى مضمومة والثانية مفتوحة من كلمتين نحو : السُّفَهاءُ أَلا، ففي ذلك أوجه :
أحدها : تحقيق الهمزتين، وبذلك قرأ الكوفيون، وابن عامر. والثاني : تحقيق الأولى وتخفيف الثانية بإبدالها واوا كحالها إذا كانت مفتوحة قبلها ضمة في كلمة نحو : أو اتي مضارع آتى، فاعل من أتيت، وجؤن تقول : أواتي وجون، وبذلك قرأ الحرميان، وأبو عمرو. والثالث : تسهيل الأولى بجعلها بين الهمزة والواو، وتحقيق الثانية. والرابع :
تسهيل الأولى بجعلها بين الهمزة والواو وإبدال الثانية واوا. وأجاز قوم وجها. خامسا : وهو جعل الأولى بين الهمزة والواو، وجعل الثانية بين الهمزة والواو، ومنع بعضهم ذلك لأن جعل الثانية بين الهمزة والواو تقريبا لها من الألف، والألف لا تقع بعد الضمة، والأعاريب الثلاثة التي جازت في : هم، في قوله : هُمُ الْمُفْسِدُونَ، جائزة في : هم، من قوله :
هُمُ السُّفَهاءُ.
والاستدراك الذي دلت عليه لكن في قوله : وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ، مثله في قوله تعالى : وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ، وإنما قال هناك لا يشعرون وهنا لا يعلمون لأن المثبت لهم هناك هو الإفساد، وهو مما يدرك بأدنى تأمل، لأنه من المحسوسات التي لا تحتاج إلى فكر كثير، فنفى عنهم ما يدرك بالمشاعر، وهي الحواس، مبالغة في تجهيلهم، وهو أن الشعور الذي قد يثبت للبهائم منفي عنهم، والمثبت هنا هو السفه، والمصدر به هو الأمر بالإيمان، وذلك مما يحتاج إلى إمعان فكر واستدلال ونظر تام يفضي إلى الإيمان والتصديق، ولم يقع منهم المأمور به فناسب ذلك نفي العلم عنهم، ولأن السفه هو خفة العقل والجهل بالمأمور، قال السموأل :
نخاف أن تسفه أحلامنا فنجهل الجهل مع الجاهل
والعلم نقيض الجهل، فقابله بقوله : لا يعلمون، لأن عدم العلم بالشيء جهل به.
قرأ ابن السميفع اليماني، وأبو حنيفة : وإذا لاقوا الذين وهي فاعل بمعنى الفعل المجرد، وهو أحد معاني فاعل الخمسة، والواو المضمومة في هذه القراءة هي واو الضمير تحركت لسكون ما بعدها، ولم تعد لام الكلمة المحذوفة لعروض التحريك في الواو، واللقاء يكون بموعد وبغير موعد، فإذا كان بغير موعد سمي مفاجأة ومصادفة، وقولهم لمن لقوا من المؤمنين : آمنا، بلفظ مطلق الفعل غير مؤكد بشيء تورية منهم وإيهاما، فيحتمل أن يريدوا به الإيمان بموسى وبما جاء به دون غيره، وذلك من خبثهم وبهتهم، ويحتمل أن يريدوا به


الصفحة التالية
Icon