البحر المحيط، ج ١، ص : ٦١١
به هو التنظيف من كل ما لا يليق به. وقد فسروا التطهير بالبناء والتأسيس على الطهارة والتوحيد، قاله السدّي، وهو بعيد، وبالتطهير من الأوثان. وذكروا أنه كان عامرا على عهد نوح، وأنه كان فيه أصنام على أشكال صالحيهم، وأنه طال العهد، فعبدت من دون اللّه، فأمر اللّه بتطهيره من تلك الأوثان، قاله جبير ومجاهد وعطاء ومقاتل. والمعنى : أنه لا ينصب فيه وثن، ولا يعبد فيه غير اللّه. وقال يمان : معناه بخّراه ونظفاه وخلقاه. وقيل : من الآفات والريب. وقيل : من الكفار. وقيل : من الفرث والدم الذي كان يطرح فيه. وقيل : معناه أخلصاه لهؤلاء، لا يغشاه غيرهم، والأولى حمله على التطهير مما لا يناسب بيوت اللّه، فيدخل فيه الأوثان والإنجاس، وجميع الخبائث، وما يمنع منه شرعا، كالحائض.
بَيْتِيَ : هذه إضافة تشريف، لا أن مكانا محل للّه تعالى، ولكن لما أمر ببنائه وتطهيره وإيفاد الناس من كل فج إليه، صار له بذلك اختصاص، فحسنت إضافته إلى اللّه بذلك، وصار نظير قوله : ناقَةُ اللَّهِ «١» ورَوْحِ اللَّهِ «٢»، من حيث أن في كل منهما خصوصية لا توجد في غيره، فناسب الإضافة إليه تعالى. والأمر بتطهيره يقتضي سبق وجوده، إلا إذا حملنا التطهير على البناء والتأسيس على الطهارة والتقوى. وقد تقدّم أنه كان مبنيا على عهد نوح. لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ : ظاهره أنه كل من يطوف من حاضر أو باد، قاله عطاء وغيره. وقال ابن جبير : الغرباء الطارئون على مكة حجاجا وزوّارا، فيرحلون عن قريب، ويؤيده أنه ذكر بعده. والعاكفين، قال : وهم أهل البلد الحرام المقيمون، والمقيم مقابل المسافر. وقال عطاء : العاكفون هم الجالسون من غير طواف من بلديّ وغريب.
وقال مجاهد : المجاورون له من الغرباء. وقال ابن عباس : المصلون، لأن الذي يكون يدخل إلى البيت، إنما يدخل لطواف أو صلاة. وقيل : هم المعتكفون. قال الزمخشري :
ويجوز أن يراد بالعاكفين : الواقفين، يعني القائمين، كما قال للطائفين والقائمين والركع السجود. والمعنى للطائفين والمصلين، لأن القيام والركوع والسجود هيآت المصلي.
انتهى. ولو قال : القائم هنا معناه : العاكف، من قوله : ما دمت عليه قائما، لكان حسنا، ويكون في ذلك جمع بين أحوال من دخل البيت للتعبد، لأنه لا يخلو إذ ذاك من طواف أو اعتكاف أو صلاة، فيكون حمله على ذلك أجمع لما هيىء البيت له.
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ : هم المصلون عند الكعبة، قاله عطاء وغيره. وقال الحسن : هم

_
(١) سورة الأعراف : ٧/ ٧٣.
(٢) سورة يوسف : ١٢/ ٨٧. [.....]


الصفحة التالية
Icon