البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٢١
القفال : لم يزل في ذريتهما من يعبد اللّه وحده، لا يشرك به شيئا، ولم تزل الرسل عليهم الصلاة والسلام من ذريتهما، وكان في الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة الأيادي. ويقال : عبد المطلب بن هاشم، جدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعمرو بن الظرب، كانا على دين الإسلام. وجوّز الزمخشري أن يكون من في قوله : ومن ذريتنا، للتبيين، قال كقوله :
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ «١»، وقد تقدّم لنا أن كون من للتبيين يأباه أصحابنا ويتأولون ما فهم من ظاهره ذلك. وتقدّم شرح الأمة، والمراد به هنا : الجماعة، أو الجيل، والمعنى :
على أن من ذريتنا هو في موضع المفعول الأول لقوله : واجعل، لأن الجعل هنا بمعنى التصيير، فالمعنى : واجعل ناسا من ذريتنا أمة مسلمة لك، ويمتنع أن يكون ما قدّر من قوله : واجعل من ذريتنا بمعنى : أوجدوا خلق. وإن كان من جهة المعنى صحيحا، فكان يكون الجعل هنا يتعدى إلى واحد. ومن ذريتنا متعلق بأجعل المقدرة، لأنه إن كان من باب عطف المفردات، فهو مشترك في العامل الأول، والعامل الأول ليس معناه على الخلق والإيجاد. وإن كان من باب عطف الجمل، فلا يحذف إلا ما دل عليه المنطوق. والمنطوق ليس بمعنى الإيجاد، فكذلك المحذوف. ألا تراهم قد منعوا في قوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ «٢» أن يكون التقدير : وملائكته يصلون، لاختلاف مدلولي الصلاتين لأنهما من اللّه الرحمة، ومن الملائكة الدعاء، وتأولوا ذلك وحملوه على القدر المشترك بين الصلاتين لا على الحذف؟ وأجاز أبو البقاء أن يكون المفعول الأول أمة، ومن ذريتنا حال، لأنه نعت نكرة تقدم عليها فانتصب على الحال، ومسلمة المفعول الثاني، وكان الأصل : اجعل أمة من ذريتنا مسلمة لك، قال : فالواو داخلة في الأصل على أمة، وقد فصل بينهما بقوله : من ذريتنا، وهو جائز، لأنه من جملة الكلام المعطوف بالظرف، وجعلوا قوله :
يوما تراها كشبه أردية العصب ويوما أديمها نغلا من الضرورات، فالفصل بالحال أبعد من الفصل بالظرف، فصار نظير : ضربت الرجل، ومتجردة المرأة تريد : والمرأة متجردة، وينبغي أن يختص جواز هذا بالضرورة.
وَأَرِنا مَناسِكَنا : قال قتادة : معالم الحج. وقال عطاء وابن جريج : مذابحنا، أي مواضع الذبح. وقيل : كل عبادة يتعبد بها اللّه تعالى. وقال تاج القراء الكرماني : إن كان المراد
(١) سورة النور : ٢٤/ ٥٥.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٤٣.