البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٢٥
الرازي، في (كتاب المحصول) له ما ملخصه : قالت الشيعة، لا يجوز أن يقع منهم ذنب، لا صغير ولا كبير، لا عمدا ولا سهوا، ولا من جهة التأويل. ثم ذكر الاتفاق على أنه لا يجوز منهم الكفر، ولا التبديل في التبليغ، ولا الخطأ في الفتوى. وذكر خلافا في أشياء، ثم قال الذي يقول به إنه لا يقع منهم ذنب على سبيل القصد، لا كبير ولا صغير، وأما سهوا فقد يقع، لكن بشرط أن يتذكروه في الحال وينبهوا غيرهم على أن ذلك كان سهوا.
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : يجوز في أنت : الفصل والتأكيد والابتداء، وهاتان الصفتان مناسبتان لأنهما دعوا بأن يجعلهما مسلمين ومن ذريتهما أمة مسلمة، وبأن يريهما مناسكهما، وبأن يتوب عليهما. فناسب ذكر التوبة عليهما، أو الرحمة لهما. وناسب تقديم ذكر التوبة على الرحمة، لمجاورة الدعاء الأخير في قوله : وَتُبْ عَلَيْنا. وتأخرت صفة الرحمة لعمومها، لأن من الرحمة التوبة، ولكنها فاصلة. والتواب لا يناسب أن تكون فاصلة هنا، لأن قبلها إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وبعدها : إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ : لما دعا ربه بالأمن لمكة، وبالرزق لأهلها، وبأن يجعل من ذريته أمّة مسلمة، ختم الدعاء لهم بما فيه سعادتهم دنيا وآخرة، وهو بعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم، فشمل دعاؤه لهم الأمن والخصب والهداية. وقد تقدم معنى البعث في قوله : ثُمَّ بَعَثْناكُمْ، والمراد هنا : الإرسال إليهم. والضمير في فيهم يحتمل أن يعود على الذرية، ويحتمل أن يعود على أمّة مسلمة، ويحتمل أن يعود على أهل مكة، ويؤيده قوله :
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ، ولا خلاف أنه رسول اللّه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وصح عنه
أنه قال :«أنا دعوة أبي إبراهيم».
ولم يبعث اللّه إلى مكة وما حولها إلا هو صلّى اللّه عليه وسلّم. وقرأ أبيّ :
وابعث فيهم في آخرهم، قال ابن عباس : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح، وهود، وصالح، وشعيب، ولوط، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ومحمد صلى اللّه عليهم وسلم. ومنهم في موضع الصفة لرسولا، أي كائنا منهم لا من غيرهم، فهم يعرفون وجهه ونسبه ونشأته، كما قال : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ودعا بأن يبعث الرسول فيهم منهم، لأنه يكون أشفق على قومه، ويكونون هم أعز به وأشرف وأقرب للإجابة، لأنهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته. قال الربيع : لما دعا إبراهيم قيل له :
قد استجيب لك، وهو في آخر الزمان.


الصفحة التالية
Icon