البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٢٩
وقيل : معناه سفه في نفسه فحذف لجار، كقولهم : زيد ظني مقيم، أي في ظني، والوجه هو الأول، وكفى شاهدا له بما
جاء في الحديث :«الكبر أن يسفه الحق ويغمص الناس».
انتهى كلامه. فأجاز نصبه على المفعول به، إلا أن قوله : ويجوز أن يكون في شذوذ تعريف التمييز، نحو قوله :
ولا بفزارة الشعر الرقابا أجب الظهر ليس له سنام
ليس بصحيح، لأن الرقاب من باب معمول الصفة المشبهة. والشعر جمع أشعر، وكذلك أجب الظهر هو أيضا من باب الصفة المشبهة، وأجب أفعل اسم وليس بفعل. وقبل النصف الأول قوله :
فما قومي بثعلبة بن سعدى وقبل الآخر قوله :
ونأخذ بعده بذناب عيش فليس نحوه، لأن نفسه انتصب بعد فعل، والرقاب والظهر انتصبا بعد اسم، وهما من باب الصفة المشبهة. ومعنى الآية : أنه لا يزهد ويرفع نفسه عن طريقة إبراهيم، وهو النبي المجمع على محبته من سائر الطوائف، إلا من أذل نفسه وامتهنها. وقال ابن عباس : معنى سفه نفسه : خسر نفسه. وقال أبو روق : عجز رأيه عن نفسه. وقال يمان : حمق رأيه. وقال الكلبي : قتل نفسه. وقال ابن بحر : جهلها ولم يعرف ما فيها من الدلائل. وحكي عن بعضهم أن معناه : سفه حق نفسه، فأما سفه بضم الفاء فمعناه : صار سفيها، مثل فقه إذا صار فقيها، قال :
فلا علم إذا جهل العليم ولا رشد إذا سفه الحليم
وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا : أي جعلناه صافيا من الأدناس، واصطفاؤه بالرسالة والخلة والكلمات التي وفى ووصى بها، وبناء البيت، والإمامة، واتخاذ مقامه مصلى، وتطهير البيت، والنجاة من نار نمروذ، والنظر في النجوم، وأذانه بالحج، وإراءته مناسكه، إلى غير ذلك مما ذكر اللّه في كتابه، من خصائصه ووجوه اصطفائه. وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ : ذكر تعالى كرامة إبراهيم في الدارين، بأن كان في الدنيا من صفوته، وفي الآخرة من المشهود له بالاستقامة في الخير، ومن كان بهذه الصفة فيجب على كل أحد أن