البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٨٢
وعلى هذه التقادير لا يعمل فيها ما قبلها، ولا تتجرد لمطلق الظرفية بحال من غير اعتبار ما ذكرناه، فالقول بذلك باطل.
ولما صدق اللّه زيد بن أرقم فيما أخبر به عن ابن سلول، مقت الناس ابن سلول ولامه المؤمنون من قومه، وقال له بعضهم : امض إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واعترف بذنبك يستغفر لك، فلوّى رأسه إنكارا لهذا الرأي، وقال لهم : لقد أشرتم عليّ بالإيمان فآمنت، وأشرتم عليّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد! ويستغفر مجزوم على جواب الأمر، ورسول اللّه يطلب عاملان، أحدهما يَسْتَغْفِرْ، والآخر تَعالَوْا فأعمل الثاني على المختار عند أهل البصرة، ولو أعمل الأول لكان التركيب :
تعالوا يستغفر لكم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقرأ مجاهد ونافع وأهل المدينة وأبو حيوة وابن أبي عبلة والمفضل وأبان عن عاصم والحسن ويعقوب، بخلاف عنهما : لَوَّوْا، بفتح الواو وأبو جعفر والأعمش وطلحة وعيسى وأبو رجاء والأعرج وباقي السبعة : بشدها للتكثير. وليّ رءوسهم، على سبيل الاستهزاء واستغفار الرسول لهم، هو استتابتهم من النفاق، فيستغفر لهم، إذ كان استغفاره متسببا عن استتابتهم، فيتوبون وهم يصدون عن المجيء واستغفار الرسول. وقرىء : يصدون ويصدون، جملة حالية، وأتت بالمضارع ليدل على استمرارهم، وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ : جملة حالية أيضا.
ولما سبق في علمه تعالى أنهم لا يؤمنون البتة، سوى بين استغفاره لهم وعدمه.
وحكى مكي أنه عليه الصلاة والسلام كان استغفر لهم لأنهم أظهروا له الإسلام.
وقال ابن عباس : نزلت هذه بعد قوله تعالى في براءة أن تستغفر لهم سبعين مرة، وقوله عليه الصلاة والسلام :«سوف أستغفر لهم زيادة على السبعين»، فنزلت هذه الآية، فلم يبق للاستغفار وجه.
وقرأ الجمهور : أَسْتَغْفَرْتَ بهمزة التسوية التي أصلها همزة الاستفهام، وطرح ألف الوصل وأبو جعفر : بمدة على الهمزة. قيل : هي عوض من همزة الوصل، وهي مثل المدة في قوله : قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ «١»، لكن هذه المدة في الاسم لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا يحتاج ذلك في الفعل، لأن همزة الوصل فيه مكسورة. وعن أبي جعفر أيضا :
ضم ميم عليهم، إذ أصلها الضم، ووصل الهمزة. وروى معاذ بن معاذ العنبري، عن أبي عمرو : كسر الميم على أصل التقاء الساكنين، ووصل الهمزة، فتسقط في القراءتين،