البحر المحيط، ج ٢، ص : ١١٨
ولم يعتدوا بالساكن، لأنه حاجز غير حصين، أو ليدلوا على أن حركة همزة الوصل المحذوفة كانت ضمة. وقرأ أبو جعفر وأبو السمال : فمن اضطر، بكسر الطاء، وأصله اضطرر، فلما أدغم نقلت حركة الراء إلى الطاء. وقرأ ابن محيصن : فمن اطر، بإدغام الضاد في الطاء، وذلك حيث وقع. ومعنى الاضطرار : الإلجاء بعدم، وغرث هذا قول الجمهور. وقيل معناه : أكره وغلب على أكل هذه المحرمات. وانتصاب غير باغ على الحال من الضمير المستكن في اضطر، وجعله بعضهم حالا من الضمير المستكن في الفعل المحذوف المعطوف على قوله : اضطر، وقدره : فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد. قدره كذلك القاضي وأبو بكر الرازي ليجعلا ذلك قيدا في الأكل، لا في الاضطرار. ولا يتعين ما لاقاه، إذ يحتمل أن يكون هذا المقدر بعد قوله : غير باغ ولا عاد، بل هو الظاهر والأولى، لأن في تقدير قبل غير باغ ولا عاد فصلا بين ما ظاهره الاتصال بما بعده، وليس ذلك في تقديره بعد قوله غير باغ ولا عاد. وعاد : اسم فاعل من عدا، وليس اسم فاعل من عاد، فيكون مقلوبا، أو محذوفا من باب شاك ولاث، كما ذهب إليه بعضهم، لأن القلب لا ينقاس، ولا نصير إليه إلا لموجب، ولا موجب هنا لادعاء القلب. وأصل البغي، كما تقدم، هو طلب الفساد، وإن كان قد ورد لمطلق الطلب، فاستعمل في طلب الخير، كما قال الشاعر :
أالخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني
وقال :
لا يمنعك من بغاء الخير تعقاد التمائم فلا إثم عليه، الإثم : تحمل الذنب، نفى بذلك عنه الحرج. والمحذوف الذي قدرناه من قولنا : فأكل، لا بد منه، لأنه لا ينفي الإثم عمن لم يوجد منه الاضطرار، ولا يترتب ذلك على الاضطرار وحده، بل على الأكل المترتب على الاضطرار، في حال كون المضطر لا باغيا ولا عاديا. وظاهر هذا التركيب أنه متى كان عاصيا بسفره فأكل، أنه يكون عليه الإثم، لأنه يطلق أنه باغ، خلافا لأبي حنيفة ومن وافقه، فإنه يبيح له الأكل عند الضرورة. وظاهر بناء اضطر حصول مطلق الضرورة بشغب، أو إكراه، سواء حصل الاضطرار في سفر أو حضر. وظاهر قوله : فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ نفي كل فرد فرد من الإثم عنه إذا أكل، لا وجوب الأكل. وقال الطبري : ليس الأكل عند الضرورة رخصة، بل ذلك