البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٢٢
متناول، قاله الراغب. وقال ابن عطية نحوه، قال : وفي ذكر البطن تنبيه على مذهبهم، بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له، وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم.
وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ : هذا الخبر الثاني عن أولئك، وظاهره نفي الكلام مطلقا، أعني مباشرتهم بالكلام، فيكون ما جاء في القرآن، أو في السنة، مما ظاهره أنه تعالى يحاورهم بالكلام، متأولا بأنه يأمر من يقول لهم ذلك، نحو قوله تعالى : قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «١»، ويكون في نفي كلامه تعالى إياهم، دلالة على الغضب عليهم، ألا ترى أن من غضب على شخص صرمه وقطع كلامه؟ لأن في التكلم، ولو كان بشر، تأنيسا ما والتفاتا إلى المكلم. وقيل : معنى ولا يكلمهم اللّه : أي يغضب عليهم. وليس المراد نفي الكلام، إذ قد جاء في غير موضع ما ظاهره : أنه يكلم الكافرين، قاله الحسن. وقيل :
المعنى ليس على العموم، إذ قد جاء في القرآن ما ظاهره أنه يكلمهم، كقوله : فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «٢»، والسؤال لا يكون إلا بالتكليم، وقال : قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ. فالمعنى : لا يكلمهم كلام خير وإقبال وتحية، وإنما يكلمهم كلاما يشق عليهم. وقيل : المعنى لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية. وقيل : ولا يكلمهم اللّه، تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في تكرمة اللّه إياهم بكلامه. وقيل : المعنى لا يحملهم على الكلام، لأن من كلمته، كنت قد استدعيت كلامه، كأنه قال : لا يستدعي كلامهم فيكون نحو قوله : وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ «٣»، فنفى الكلام، وهو يراد ما يلزم عنه، وهو استدعاء الكلام.
وَلا يُزَكِّيهِمْ : هذا هو الخبر الثالث، والمعنى : لا يقبل أعمالهم كما يقبل أعمال الأزكياء، أو لا ينزلهم منزلة الأزكياء. وقيل : المعنى لا يصلح أعمالهم الخبيثة. وقيل :
المعنى لا يثني عليهم من قولهم : زكى فلانا، إذا أثنى عليه، قاله الزجاج. وقيل :
لا يطهرهم من دنس كفرهم، وهو معنى قول بعضهم : لا يطهرهم من موجبات العذاب، قاله ابن جرير. وقيل : المعنى لا يسميهم أزكياء.
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : هذا هو الخبر الرابع لأولئك، وقد تقدم تفسير قوله : وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «٤»، في أول السورة. وترتب على الكتمان واشتراء الثمن القليل هذه الأخبار

_
(١) سورة المؤمنون : ٢٣/ ١٠٨.
(٢) سورة الحجر : ١٥/ ٩٢.
(٣) سورة المرسلات : ٧٧/ ٣٦.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ١٠.


الصفحة التالية
Icon